مشروع قانون منع الإرهاب: "لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم"
مرّ مرور الكرام، على البلاد والعباد، قرار حكومي مفاجئ بإحالة مشروع قانون لتعديل قانون منع الإرهاب لسنة 2006 إلى مجلس الأمة، مع منحه صفة الاستعجال، معلّلة ذلك بالخطر المحدق بالوطن من الأراضي السورية.
غالبية وسائل الإعلام المحلية نقلت هذا الخبر من دون تحليل تفاصيله المقلقة، أو القراءة بين سطور مشروع قانون "معجون بلغة مطاطية"، قد ينتهك حقوقاً أساسية، وليفوق تأثير سابقه الذي سن بعد تفجيرات عمان الثلاثية أواخر العام 2005.
واليوم، يحيل مجلس النواب، في جلسته الأسبوعية، المشروع إلى اللجان المختصة، تمهيداً لدراسته قبل عرضه على المجلس لإقراره.
لا أحد ينكر تفاقم خطر الجماعات التكفيرية العابر للحدود، خصوصاً بعد أن باتت سورية -عقب اليمن والعراق- محجاً لهؤلاء المتشددين القادمين من أقطار شتّى، بينهم كثيرون من أبناء جلدتنا. ومن حق الأردن تحصين أراضيه أمام قنابل موقوتة، يتوقع تفجّر شظاياها في أي لحظة.
لكن، لا بدّ من دق جرس الإنذار لجهة بنود مقلقة في مشروع القانون، تمس حريات أساسية تضمنها المواثيق الدولية الملزمة التي وقع عليها الأردن.
المشروع يحتوي أحكاماً فضفاضة، قائمة على صياغات تسمح باستغلالها بالفعل لملاحقة وإدانة الناشطين المستقلين والمعارضين السلميين، مثل ما حصل في بلدان عربية أخرى سنّت قوانين مماثلة، تحدثت عن شيء وقامت بشيء آخر.
فالمشروع الحالي يتوسع فى تعريف الأعمال الإرهابية المنظورة أمام محكمة أمن الدولة، ويغلّظ العقوبات، ويقترح إطاراً قانونياً يبدو وكأنه يجرّم كافة أشكال الفكر المعارض أو التعبير عن الرأي البعيد عن الإرهاب، بوصفه إرهاباً.
المعطيات الداخلية والإقليمية تؤجج مخاوف مشروعة من استخدام المشروع لتحميل جرم عادي أو مسيرة احتجاجية أبعاداً إرهابية، فقط من خلال الحكم على النوايا، حسبما حصل في القانون الساري.
وفق حيثيات مشروع القانون، فإن أي جهة تستخف بحياة الناس وحقوقهم الأساسية، تستطيع -باستخدام بعض "الفهلوة"- معاقبة كل من يخرج عن الخط السائد.
الحكومة تنفي ذلك، حال مصادر محكمة أمن الدولة، وتربط الموضوع بالتحدي "الإرهابي" القادم من دول الجوار.
في المشهد الداخلي المحتقن، استعداد غير عادي لتقبل مشروع قانون بهذه الأهمية والخطورة، بسبب الرهاب الذي وصل إليه الأردنيون جرّاء انفلات الأمن وفوضى السياسة في سورية وليبيا ومصر.
وإلى جانب الشرر المتطاير عبر الحدود، يواجه الأردن تحدي التجمعات المتشددة في الداخل، بسبب الفقر والبطالة، والجهل، وثقافة الانغلاق وإقصاء الآخر، مع تراجع الحريات وغياب العدالة في توزيع مكاسب التنمية، كما تراجع هيبة الدولة لمصلحة الهويات الفرعية الضيّقة.
لذلك، تحتاج الحكومة والأجهزة المختصة إلى التحرك بحرية وسرعة لمكافحة التكفيريين والقوى الرجعية بأقل التكاليف الحقوقية، بحسب مسؤولين.
لكن، من الضروري وضع معادلة الأمن والحرية في الميزان، لتداخل هذين العنصرين والمفهومين، من دون الانتقاص من الحقوق والحريات الأساسية، وبالتناغم مع القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يعترف بحماية "النظام العام والأمن القومي" كأهداف مشروعة لتقييد بعض الحقوق "في ظروف محدودة وضيّقة التعريف". لكن، وفي الوقت نفسه، فإن النصوص الغامضة والفضفاضة قد تصلح كأساس لإبطال طيف واسع من الحقوق الأساسية، بما فيها الحق في التعبير، والتظاهر السلمي، وتكوين الجمعيات.
لاحظوا الفارق بين مشروع قانون 2014 والقانون النافذ منذ 2006 الذي أثار في وقته زوبعة من المخاوف والانتقادات.
مشروع القانون الجديد يعرّف العمل الإرهابي بأنه: "كلّ عمل أو امتناع عن عمل أو التهديد به أياً كانت بواعثه وأغراضه أو وسائله يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جمعي من شأنه تعريض حياة المجتمع وأمنه للخطر أو إحداث فتنة، إذا كان من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو المرافق الدولية أو البعثات الدبلوماسية، أو احتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية أو الاقتصادية للخطر أو إرغام سلطة شرعية أو منظمة دولية أو إقليمية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة".
أما قانون 2006، فعرّف العمل الإرهابي بأنه: "كل عمل مقصود يرتكب بأي وسيلة كانت يؤدي إلى قتل أي شخص أو التسبب بإيذائه جسديا أو إيقاع أضرار في الممتلكات العامة أو الخاصة أو في وسائط النقل أو البيئة أو في البنية التحتية أو في مرافق هيئات البعثات الدبلوماسية، إذا كانت الغاية منه الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو تعطيل تطبيق أحكام الدستور أو القوانين أو التأثير على سياسة الدولة أو الحكومة أو إجبارها على عمل ما أو الامتناع عنه أو الإخلال بالأمن الوطني بواسطة التخويف أو الترهيب والعنف".
فالقانون الجديد لم يوضح، مثلاً، معنى مفردة "إحداث فتنة"، أو "الامتناع عن أو تعطيل تطبيق الدستور"، أو إلحاق الضرر بـ"البيئة" أو المرافق العامة. تخيلوا السيناريو التالي: معارض سياسي "يدق على عصب" الحكومة، يلقي عقب سيجارة مشتعل بطريق الخطأ قرب أحد الأحراش أو على مقربة من مولد كهرباء لوزارة ما، فهل يتهم بالإرهاب؟
مشروع القانون الجديد يحمل تطبيقات مفتوحة على شتّى الاحتمالات. وفي استثناء، فإن ديوان التشريع والرأي التابع لرئاسة الوزراء لم يخضعه لمناقشة تفاعلية عامة تستدرج آراء الناس حوله، من خلال نشر النص المقترح عبر موقعه الإلكتروني.
وسّع مشروع القانون مظلة جرائم الإرهاب، بحيث تشمل الالتحاق أو حتى "محاولة الالتحاق بأي جماعة مسلحة أو تنظيمات إرهابية أو تجنيد أو محاولة تجنيد أشخاص للالتحاق بهم وتدريبهم لهذه الغاية سواء داخل المملكة أو خارجها". كما يجرّم "تقديم الأموال أو إدارتها بأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة بقصد استخدامها لإرتكاب عمل الإرهابيين أو تمويل إرهابيين سواء وقع العمل داخل المملكة أو خارجها".
ويشمل أيضاً بنداً يُعرّف الإرهاب بأنه "القيام بأعمال من شأنها تعكير صلات المملكة بدولة أجنبية". هذا البند قد يستخدم ضد ناشط "ديمقراطي" أو كاتب مقال رأي ينتقد، مثلاً، سياسة السلطات المصرية في اعتقال نشطاء "إسلاميين وغير إسلاميين".
ينسحب ذلك أيضاً على قيام موقع إلكتروني، مرخص أو غير مرخص، ببث رسالة لحزب أو جماعة ما تمجّد عملاً ما يعدّه الأردن الرسمي "دعماً لجماعة إرهابية"، بينما ترى فيه قطاعات اجتماعية وأحزاب سياسية، مقاومة مشروعة ضد الاحتلال.
يحتوي مشروع القانون الجديد -حال القديم- على مكامن ضعف أخرى؛ منها بنود وسعّت صلاحيات المكلفين بإنفاذ القوانين على حساب السلطة القضائية، ما ينذر بإخراج بعض إجراءات التحقيق من صفتها القضائية إلى أدوات ضبطية، الأمر الذي قد يشكّل خروجاً على استقلال السلطة القضائية، ومساساً بالمبدأ الدستوري الأساسي: فصل السلطات وعدم تغول إحداها على أخرى.
مشروع القانون المعدل لمنع الإرهاب يضع الجميع على المحك؛ الحكومة، ومجلس الأمة، والمركز الوطني لحقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني، والإعلام؛ فلا يجوز إخراج قوانين مكافحة الإرهاب -رغم أهميتها القصوى- عن قواعد السياسة التشريعية، أو أن تؤدي إلى الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة بأي شكل من الأشكال.
الأيام المقبلة ستجيب عن سؤال: هل يشكل مشروع القانون تراجعاً جديداً عن التوجهات الإصلاحية، أم أنه ضرورة للتعامل مع الظروف السياسية والأمنية الآنية المحيطة بالأردن؟