فضيحة لمن؟!
تعرّض الإعلامي المعروف باسم يوسف، لحملة شعواء، خلال الأيام الماضية، بعدما تمّ اكتشاف أنّ مقاله (المنشور الأسبوع الماضي) بعنوان "لماذا لا يهتم بوتين؟"، هو نفسه مقال الكاتب اليهودي "بن جودا". اعترف يوسف بحجم الخطأ، وبأنّه كان يجب أن يشير إلى المصدر الذي قام بترجمته، مع بعض التحرير والتدوير في المعنى. لكنّ ما حدث معه كان فرصةً ثمينة لخصومه للهجوم عليه والتنكيل به، حتى إنّه تمّ تصميم عناوين للنقاشات على "تويتر" بعنوان "باسم طلع حرامي"!
لا يمكن تمرير أو تبرير هذه "الخطيئة" من يوسف؛ فهو يحتل اليوم مكانة باعتباره أحد أهم وأشهر مقدّمي البرامج الإعلامية الجدلية، ويخوض معركة شرسة على جبهات متعددة، بعد أن فتح النار على الإعلام المصري المتخبّط، وعلى سلوك المؤسسة العسكرية، بعدما كان الأكثر إيلاماً ونقداً في مواجهة "حكم الإخوان"، وكان يجب أن يعلم فضلاً عن ذلك، أنّ ما قام به، بديهياً، من زاوية أخلاقية ومهنية، هو أمر غير مقبول، وبمثابة "فضيحة".
بالرغم من ذلك، فإنّ نصّه الأخير (في صحيفة الشروق المصرية)، والذي أعلن فيه التوقّف عن الكتابة مؤقّتاً، هو بحدّ ذاته يحمل قيمة أخلاقية ومهنية وإنسانية عالية، وفيه قدرٌ كبير من الجرأة الجميلة الرائعة في الاعتراف بالخطأ، وعدم المكابرة، ورفض التماس الأعذار، بل والاعتذار العلني للرأي العام المصري، بعيداً عن أي محاولة للتنصّل من الموقف، أو تجاوز وتجاهل ذلك.
قيمة النص أنّه يقوم على منطق الاعتراف ونقد الذات بصراحة ووضوح، وعدم التهرب من المسؤولية، بالرغم من الشهرة ومن الضرر الذي سيتسبب فيه ذلك. وهذه ثقافة بحاجة أن نتعلّمها في العالم العربي والإسلامي، لأنّها غائبة تماماً، ليس فقط على الصعيد الإعلامي، بل حتى المجتمعي والسياسي والثقافي.
منطق الاعتراف بالأخطاء والخطايا، وعدم التنصّل منها، يقوم في جوهره على إدراك الطبيعة الإنسانية في الخطأ والزلل والضعف، بخاصة في عالم السياسة والإعلام والشهرة. فالناس تتعامل مع "الخطأ" بوصفه "فضيحة"، وكأنّه أمر طارئ، غير مسموح به، وهذا، بعيداً عن التبرير والتذرّع لأيّ كان، غير صحيح، يتنافى مع الطبيعة البشرية، بخاصة إذا كان مؤقتاً طارئاً، وليس سلوكاً ملتوياً متجذراً لدى الشخص. فكما أنّ الاعتراف بالخطأ فضيلة مهمة وضرورية وأساسية، ولا بد من تكريس ذلك في حياتنا اليومية، الخاصة والعامة، فإنّ تقبل الناس لذلك أمر ضروري ومهم أيضاً، بدلاً من الثقافة المهيمنة السائدة التي تقوم على النفاق والرياء، بصورة عامة.
قيمة النص، ثانياً، أنّه يقوم على زراعة "ثقافة الاعتذار"؛ فذلك ليس عيباً، سواء من مسؤول أساء استخدام الأمانة أم من أكاديمي قام بسرقة أبحاث ودراسات، أم إعلامي سرق مقالات زملائه، أو أي خلل أخلاقي أو مهني أو إداري. لكنّها للأسف ثقافة غير موجودة في حياتنا اليومية.
ليس ذلك تبريراً ولا تقليلاً من "خطيئة يوسف"، لكنّها إشارة إلى أهمية سلوكه الحضاري والأخلاقي. ولو نظرنا إلى خصومه السياسيين والإعلاميين الذين سنّوا الرماح للهجوم عليه والتنكيل به، ووجدوا في ذلك فرصة ذهبية، فهل يستطيعون، فعلاً، الاعتراف والاعتذار عما اقترفوه من خطايا، وربما جرائم تستحق ليس التوقف عن الكتابة، كما عاقب يوسف نفسه، بل السجن والنفي الأدبي والأخلاقي من المجتمع؟
ليست القضية خاصة بيوسف، بقدر ما أنّها تفتح الباب مشرعاً على التساؤل: لو أنّ هذه الثقافة (الاعتراف والاعتذار) هي التي درجت، تحت وطأة الرقابة المجتمعية والشعبية، فكم من مسؤول سياسي، وإعلامي، وأكاديمي ومثقف، مدين باعتذار للرأي العام واعتراف بأخطائه التي ارتكبها؟ هل سمعتم في الأردن، مثلاً، برغم كل البلايا التي حدثت، عن شخص قام بذلك؟ الفضيحة ليست ليوسف الذي أخطأ، بل نصّه الجميل هو الذي يفضح الذين لا يعترفون ولا يعتذرون؟!