ليبيا أسيرة غرائب وعقد العقيد

النظام الليبي او الاصح اللانظام القذافي هو ظاهرة غريبة وفريدة في التاريخ فبالنسبة للعقيد القذافي فانه بادر عند انقلابه في العام 1969 الى حل الدولة الليبية واستبدالها بلجان شعبية ومظاهرة جماهيرية تتصارع وتهتف في الفراغ دون ان يكون لاحد اي دور او نفوذ ما عدا العقيد نفسه وبعض المسبحين بحمده الذين ينفذون مهمات امنية تبث الرعب في نفوس الناس بحيث ان ليبيا التي كان عدد سكانها 3 ملايين انسان عند انقلاب 1969 هرب منها حوالي مليون انسان غالبيتهم هاجروا الى اوروبا.

 

لقد وصل العقيد ومعه مجموعة من الضباط الشباب كلهم دون الثلاثين من العمر في مرحلة عربية بائسة ويائسة بعد كارثة حزيران 1967 وكان لانقلاب العقيد وربعه معنى ايجابي بالنسبة لمصر والحالة الناصرية والعربية عموما ، فقد تم تحميل ليبيا مسؤولية انطلاق الطائرات الاسرائيلية من القاعدة الامريكية صباح 5 حزيران لتوجيه ضربة تدمير الطيران المصري ، والتي اختزلها المرحوم عبدالناصر بعبارة "انتظرناهم من الغرب فاتونا من الشرق".

 

لقد استطاع القذافي تجديد الشعارات الثورية القومية واليسارية ، بعد ان بهتت هذه الشعارات اثر هزيمة 5 حزيران 1967 القاسية ، وشكل المرحوم عبدالناصر رافعة لنظام القذافي مع انه لم يكن يوما مرتاحا لمراوداته واندفاعاته الدعائية الوحدوية ومحاولاته اقامة وحدة بين ليبيا واي قطر عربي اخر ، وهي تجارب فشلت كلها كما هو معروف ، وكانت نتيجتها ان الناس يزدادون احباطا ويأسا من قيام الوحدة او الاتحاد بعد فشل كل تجربة من التجارب القذافية التي جاءته مكملة لمحاولات وحدوية فاشلة سبقته.

 

اما في الداخل الليبي فان ما فعله هو اختزال كل ليبيا في شخصه ، وحاول ان يوجد لليبيين عقيدة جديدة مصدرها الكتاب الاخضر الذي يشتمل على عموميات ، ويطرح اساسيات اولها إلغاء كيان الدولة وهيكلها وثانيها نبذ ومعاداة كل ما هو ديمقراطي فالانتخابات محرمة لان "التمثيل تدجيل" والاضراب جريمة لان"من يخرب خان".. الخ.

 

وعندما قامت الثورة كان هنالك مجتمع مدني حضري في طرابلس وبنغازي والمدن الليبية الاخرى فقام القذافي باعتقال ومطاردة كل من كان ضمن هذا الاطار الحضري وهكذا رحل عشرات الالاف من هذه المدن فقام القذافي باحضار عشرات الالاف من البادية واورثهم بيوت هؤلاء مفروشة وجاهزة واصدر تشريعا يقول: "البيت لساكنه" وقد شكلت هذه التركيبة السكانية البدائية وليس البدوية فقط قاعدة حكم القذافي والجيش والاجهزة التي تشكلت وفق نظام عصابات لها مهمة واحدة هي التصدي لما تبقى من آدمية الشعب الليبي ، وكان ذلك عماد الجماهيرية الفوضوية وعمودها الفقري لضمان سلطة فردية استبدادية مطلقة.

 

وقد خدمت الظروف العقيد القذافي بوصول السادات للحكم والذي اندفع بعد حرب 1973 نحو الصلح مع اسرائيل وصولا الى زيارته للقدس في العام 1977 والتي استغلها القذافي الى ابعد حد فاكتسب القذافي شعبية في الوطن العربي خاصة بعد ان ارتكب السادات حماقة توجيه ضربة عسكرية لمناطق في ليبيا والتهديد باحتلالها في وقت كانت الحالة الجماهيرية ساخطة على السادات.. وفي الثمانينات عندما اصطدم القذافي مع ريغان امريكا ، وامر ريغان بتوجيه ضربة لمقر القذافي في العزيزية جنى القذافي من ورائها تعاطفا في الوطن العربي،، ولا احد يعرف لليوم اين تذهب ثروة ليبيا ولا احد يعرف كيف كان يعيش الانسان الليبي في ظل نظام قمعي لديه اتهامات جاهزة بالخيانة والعمالة ضد كل من يشتبه انه يعارض العقيد او يفكر في التعبير عن ادميته.. الخ.

 

اوردت هذه المقدمة اليوم للتعريف في الحالة القذافية التي اختطفت ليبيا 41 عاما والتي لا حدود لغرابتها وبما لا يحيط به اي خيال وهو ما يحتاج الى مقالات كثيرة في الايام القادمة على ضوء ثورة الانسان الليبي في خضم ثورة الشباب العربي التي طوت صفحة النظام التونسي وطوت صفحة النظام المصري وتوشك ان تطوي صفحة اللانظام الليبي وصفحات سوداء اخرى تتساقط كما تتساقط اوراق الخريف.