تشوهات في توظيفات الثروات الوطنية...
تتوزع ثروات الأردنيين في اربعة قطاعات استثمارية رئيسية هي سوق راس المال ( الاولية والثانوية)، والبنوك والمصارف والشركات المالية، والسوق العقارية، والصناعة والتجارة والزراعة... القطاع الاول سوق راس المال، ويتضمن السوق الاولية من اصدارات جديدة ( شركات قديمة و جديدة) والسوق الثانوية، وهي سوق الاسهم والسندات ( بورصة عمان)، والقطاع الثاني المصرفي من بنوك وشركات مالية، وهي ذات قيمة مضافة غير مؤثرة في بناء الاستثمارات الحقيقية والتنمية، وهي اداة لنقل الاموال من قنوات الادخار الى قنوات الاستثمار، والقطاع الثالث هو السوق العقارية من ارض ومبان، وهي من اقدم القطاعات وهي بمثابة ملاذ آمن للمستثمرين، والقطاع الرابع ويضم الزراعة والصناعة والتجارة، وهو تاريخيا محرك رئيسي من محركات النمو الاقتصادي.
أهم ملامح التشوهات في توظيفات الثروات الوطنية تمركز في مدرسة المصرفيين في القطاع المصرفي والمالي وهذا طبيعي، الا ان وصول اصحاب المدرسة الى راس هرم سوق راس المال منذ سنوات ادى الى سيادة اراء وقرارات مبطنة لاصحاب المدرسة المصرفية على سوق راس المال، لذلك ليس من باب الصدفة ان لا نجد نشاطا حقيقيا لسوق السندات في سوق راس المال الاردني، علما بان السندات تشكل اكثر من 60% من التداولات في كبريات البورصات العالمية بخاصة سوق وول ستريت في الولايات المتحدة الامريكية، كما ان نشاطات السوق الاولية اضمحلت ولم نعد نسمع عن تأسيس شركات مساهمة عامة او عرض عام في الاقتصاد الاردني.
وفي هذا السياق فان تعطيل نفاذ قانون الصكوك الاسلامية مثال على خدمة اصحاب القرار في سوق راس المال لصالح القطاع المصرفي علما بان الصكوك اصبحت اداة تمويل مهمة لكافة الاستخدامات الاستثمارية بكلف عادلة، وبالعودة الى سوق راس المال كنا نجد انحيازا مقيتا ومؤلما عندما رفضت هيئة الاوراق المالية ادراج شركات عقارية فاعلة وشركات طيران عملاقة بدون اية مبررات حقيقية بينما كانت هيئة الاوراق المالية تدرج اسهم شركات حديثة التأسيس جلها اوراق في اوراق، علما بان العرف السائد في البورصات الناشئة والمتقدمة ان يتم الترحيب في تأسيس شركات بقيم عادلة عقارية او موجودات منتجة ورابحة تشغيليا وادراج اسهمها في السوق الثانوية بما يؤدي الى تعميق السوق وزيادة جاذبية الاسهم الاردنية امام المستثمرين المحليين والعرب والاجانب.
ان الازمات العالمية من اسيا الى اوروبا وامريكا كان المسبب الاول لها البنوك وما يسمى بمهندسي الادوات المالية، الذين تحولوا من الاقتصاد الحقيقي الى الاقتصاد المالي الورقي ( الافتراضي) حيث انهارت النمور الاسيوية بداية تسعينيات القرن الماضي، وتعثر التجربة اليابانية منذ العام 1999، وازمة الرهونات العقارية والمالية في الاقتصاد الامريكي التي اطلقت الازمة المالية العالمية الاخيرة التي انتشرت كما النار في الهشيم، وولدت ازمة الديون السيادية في منطقة اليورو...الاقتصاد الحقيقي هو الاساس وبدونه لن نتقدم بالاقتصاد وبلوغ التنمية المستدامة.