نضال منصور يكتب : حتى لا يخطف الانتهازيون مسيرة الإصلاح في الأردن

أخبار البلد - من السهل جداً أن نتحدث عن الاحتجاجات والثورات الشعبية في ليبيا واليمن والبحرين، لكن الأهم أن نتحدث عن بلدنا وكيف نحصنه في هذا المنعطف التاريخي، عبر بناء حزمة إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية تنقله إلى شاطئ الأمان.

 

لم يعد هناك متسع من الوقت للفذلكة والخطابات، ولم يعد هناك وقت للمناورات السياسية، ولا حجة لمن يتردد في التقدم بخطوات للإصلاح الحقيقي، فالتوجيهات الملكية حاسمة وواضحة، ومن يفشل عليه أن يخلي الطريق لمن يملكون إرادة العمل.

 

في هذه اللحظة التاريخية من عمر الأردن، تقفز إلى المشهد أصوات انتهازية تساوم الدولة وتبتزها، قناعة منها بأنها تمر بلحظة ضعف وهي فرصتها التي لن تتكرر. هؤلاء يشوهون صورة الاحتجاجات ويقزمون مطالب الإصلاح لتختزل في مصالحهم ومطالبهم.

 

التحدي الرئيس أن لا تنحني الدولة لهم وتخضع لمبدأ الابتزاز والمقايضة، لأنها في اللحظة التي تفعل ذلك فإن الغالبية سيلجؤون لهذا المسار بدلاً من النضال لإنتاج دولة حديثة تعلو فيها مبادئ سيادة القانون على كل القيم.

 

الانتهازيون لا يصنعون التغيير بل يبثون الانقسام داخل المجتمع، ويدوسون قيم المواطنة ويخلطون الأوراق السياسية، وللأسف يضعفون الأصوات المنادية بالإصلاح.

 

هذا الواقع الذي اختلط فيه الحابل بالنابل يفرض على الإصلاحيين أن يوحدوا صفوفهم، وأن يتقدموا برؤيتهم الواضحة التي تحدد مطالبهم، مرتبطة بآليات عمل وبرنامج زمني. وفي المقابل، فإن على الحكومة أن تحدد بوصلة عملها، فلا تتجاوب مع الانتهازيين لأن مطالبهم لا تحدث تغييراً سياسياً بل ترتب ديوناً وكلفاً مالية، وتتصادم مع من يقدم رؤية قد لا تعجب الحكومة وأجهزتها.

 

هذا زمن التغيير وكل شيء قابل للبحث، والقاسم المشترك بين كل الأصوات أن العرش الهاشمي مصان، وما دون ذلك قيد البحث لتعزيز المسار الديمقراطي.

نحتاج إلى خريطة طريق لنخرج من المأزق، وأول الخطوات المصداقية مع الشارع. فخلال السنوات الماضية كان هناك الكثير من الادعاءات والقليل من العمل الصادق، وكان الشعب مغيباً ولا يحتل الصدارة في سلم الأولويات والاهتمامات.

 

ما يريده الشعب كثير، فهو يريد أن يفهم لماذا تزور الانتخابات، رغم كل التعهدات والضمانات بأن تكون شفافة ونزيهة، والأهم لماذا لا يحاسب من يفعلون ذلك؟!

الشعب يريد منذ عقدين قانون انتخاب عادلا وعصريا يدعم الحياة السياسية ويوحد الأردن ولا يشرذمها، ومع ذلك وبقوة سحرية خارقة تقر تعديلات لا علاقة لها بكل المطالب. والشعب يريد أن يتحرر من قانون الاجتماعات العامة الذي يصادر حريته ويمنع الحراك السياسي، ويريد أن تستعيد الجامعات عافيتها بدلاً من أن تظل بؤرة للظلاميين ومصدراً للعنف العشائري والإقليمي. والكل يعرف الحلول والكل تحدث عنها ليلاً ونهاراً، ومع ذلك تصادر الحريات الأكاديمية ويمنع العمل السياسي في الجامعات وتختطف الجامعات في مسار أمني لا يرى ما يحدث في العالم، ولا يريد أن يصدق أن هؤلاء الشباب هم من يصنعون التغيير وربيع العالم العربي.

 

مشكلتنا أننا كلما تقدمنا خطوة للأمام جاء من يحذر من سياسة حرق المراحل في بناء الديمقراطية، وضرورة أن لا نتقدم بمسار الديمقراطية وحقوق الإنسان قبل حل القضية الفلسطينية، وقبل أن تخمد نيران الإقليم في العراق ولبنان، وبأننا في عين العاصفة ولا بد أن تظل القبضة الأمنية سيدة الموقف، وأن تأجيل المسار الديمقراطي لا يشكل خطراً.

 

ولا يقول هؤلاء أن الديمقراطية توحد الشعب خلف قيادته السياسية، وتنمي قيم المواطنة وسيادة القانون، وتعزز قيم الحاكمية الرشيدة، وتكشف الفساد والمفسدين، وتحصن الوطن من الأخطار والعواصف، فالدول الديمقراطية هي الأكثر منعة وقوة وهذا موثق في التاريخ.

 

الديمقراطية خيارنا الوحيد، فقد جربنا كل المسارات وفشلنا ولم يعد أمامنا سوى طريق واحدة وحيدة.