حسن الشوبكي يكتب : نزيف الأسهم: الحل بيد البنوك

أخبار البلد -  الثروة التي يجري استنزافها جلسة بعد أخرى يجب أن تلتفت إليها عين الحل، والقيمة السوقية التي تفوق 21 بليون دينار ويتشارك في ملكيتها أردنيون وغير أردنيين يجب ان تستنهض الجهد لوقف النزيف والاستجابة للصرخات القادمة من بورصة عمان، فلا بد ان يصل موسم الخسارة للاسهم الاردنية الى حلقته الاخيرة، ولكن كيف؟

 

عندما تحصل الأزمة فإن التشخيص الجيد يقود إلى علاج ناجع، ومعرفة المقدمات تساعد في فهم مخرجات الحالة الصعبة او محاولات الخروج من عنق الزجاجة، وفي السوق المالي ثمة انهيارات في الاسعار، ويقابلها متفرجون كثر، وكأن الامر لا يعنيهم، ولست اتحدث هنا عن هيئة الاوراق المالية التي اجادت في بناء بيئة هيكلية وتشريعية ذكية للاستثمار في السوق، ولكنني اقصد اولئك المتفرجين على مشهد الخسارة من دون ان يصنعوا شيئا لسوق ساهم وما يزال في تضخيم ثرواتهم ورفع سويتهم المالية حتى باتت على ما هي عليه الان.

 

في التشخيص، هنالك تعثر في الشركات حتى وصلت اخيرا نسبة ديونها المتعثرة الى إجمالي تسهيلاتها المصرفية 7.6 %، وهي نسبة مرتفعة وتؤشر على خطر التعثر في أعمال تلك الشركات، والمقلق اكثر في الامر ليس انهيار اسعار اسهم تلك الشركات في البورصة وانما الخطر الداهم الذي سيطال عمالها لا سيما العقارية والصناعية منها، والمطلوب حاليا مساعدة عاجلة لنحو خمس شركات كبيرة ومعروفة في السوق عبر النظر الى مديونيتها بعين اخرى وجدولة تلك الديون بفوائد اقل ومنحها السيولة بعد ان فقدتها.

 

يجب ان تتحمل البنوك مسؤولياتها باعادة الجدولة للمعسرين – صغارهم وكبارهم - بفوائد اقل ويجب على البنك المركزي ان يمارس مسؤولياته وثقله المعنوي من خلال حفز البنوك على القيام بدورها في هذه الفترة الصعبة، وان لا تكتفي بالتفرج على سوق بلغت اسعار اسهمه - حتى الاسهم الدفاعية الكبيرة - الى مستويات غير مسبوقة.

 

اما هذا التسابق المصرفي الحالي للحجز على اموال المعسرين وخنق الحياة الاقتصادية بدعوى الحذر والتنفيذ الحرفي لتعليمات ليس هذا المقام مقامها، فهو إغراق لمن يعوم وسط تيار قوي وكل أمله ان يجد من يأخذ بيده للوصول الى بر الامان.

 

ليس هذا وحسب، أين البنوك وصناديقها؟ ولماذا لا تشتري واسعار الاسهم مغرية جدا للشراء؟، وأين محفظة الضمان الاجتماعي؟، اين قادة السوق ام اكتفوا بالتفرج على نزيف الخسائر، وكأن الامر لا يعني هؤلاء؟!

 

بل أين البنك المركزي الذي نتوسم في قيادته الجديدة الخير لما فيه مصلحة كل الاقتصاد الاردني وليس مصلحة البنوك بوصفها مؤسسات معزولة عما يجري حولها، وتشارك في المغنم وليست معنية بالمغرم؟ فقانون البنك شديد وفيه من الادوات ما يسمح بالتأثير على البنوك لتحمل مسؤولياتها وتحريك اسعار الفائدة باتجاهات ايجابية وتحقيق جدولة منطقية وعملية للمعسرين، كما أن ادوات المركزي في سحب السيولة من البنوك والضغط عليها ليست صعبة المنال.

 

المطلوب دور جديد للمركزي والبنوك وليس التفرج على ملهاة الخسارة. وبعد محاولات المركزي العديدة في السنوات السابقة لتحفيز عمل البنوك، كانت تلك الاخيرة تتصرف دوما من واقع ذاتي ومصلحي ضيق وكأن الاقتصاد لا يعنيها، فالتضييق على التسهيلات على أشده وسط انخفاض فوائد الإيداع مقابل ارتفاع ودائع الإقراض، والمهم كما هو الحال بالنسبة للبنوك ان تحقق ارباحا، والهامش بين فائدتي الإقراض والإيداع في البنوك الاردنية يرتفع الى ما يفوق 6 % وهي من اعلى النسب العالمية، وتكشف عن ارتفاع كلفة تشغيل الاموال الناجمة عن ارتفاع عبء مصاريف تلك البنوك وهو ما سيتم تفصيله في المقال المقبل.