الخـديـعـة الكـــبرى
لماذا اختار نتنياهو تحرير سجناء؟ مقال في صيغة سؤال، كتبه شالوم يروشالمي، نشرته "معاريف" يوم 20/3/2014، تحدث فيه باستغراب عن دوافع نتنياهو للإفراج عن أسرى فلسطينيين، نفذوا عمليات مسلحة، قتلوا خلالها إسرائيليين، ومع ذلك أفرج عنهم، وهو إجراء لم يستطع الإقدام عليه كل رؤساء وزراء إسرائيل من قبل، حتى بمن فيهم إسحق رابين الذي وقع اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات، والجواب قدمه يروشالمي في مقالته على لسان نتنياهو بقوله، "لم أُنتخب كي أفكك خارطة إسرائيل إلى دولتين".
لقد اختار نتنياهو، إطلاق سراح أسرى فلسطينيين، رغم صعوبة القرار، مقابل استئناف المفاوضات، وهذا يدلل على مدى أهمية المفاوضات بالنسبة له، لماذا ؟؟ لأنه يحتاج للمفاوضات للتغطية على كل سياساته التوسعية ومعتقداته الاستعمارية، فالمفاوضات يحتاجها غطاء لاستمرار الاستيطان وتوسيع المستوطنات، تغطية لتهويد القدس وأسرلتها، وتمزيق الضفة الفلسطينية وجعلها طاردة لأهلها، والاستيلاء على الغور وتهويده أسوة بالقدس وقلب الضفة، ولهذا استطاع اتخاذ قرار إطلاق سراح أسرى، لأنه لا يستطيع وقف الاستيطان، فالاستيطان أداة للتوسع، وهو بحاجة للمستوطنين كي يبقى قوياً بهم، ولذلك ضحى بالإفراج عن الأسرى، ولم يستطع التضحية بالاستيطان وبالمستوطنين، لأنه بذلك يريد الاحتفاظ بكل فلسطين، وأن تكون خارطة إسرائيل بديلاً لخارطة كل فلسطين.
والولايات المتحدة بحاجة ماسة لاستمرارية المفاوضات، لتغطية مسلسل فشلها:
أولاً: لتغطية فشلها في عدم قدرتها وحلفائها وأتباعها في إسقاط النظام السوري، رغم قوة الضربات التي وجهت له على الأرض، وقوة المعارضة المسلحة والحشد الهائل من الخصوم والحلفاء ضده، ومع ذلك صمد النظام وما زال يملك زمام المبادرة العسكرية الميدانية، وهو عنوان لفشل أميركي صارخ.
ثانياً: فشلها في توفير الحد الأدنى المطلوب من الأمن والاستقرار لثلاثة شعوب أسقط التدخل العسكري الأميركي المباشر أنظمتها في أفغانستان والعراق وليبيا، ولكنها فشلت في توفير البديل الأرقى لهذه الشعوب، وغدا التدخل الأميركي عنواناً للموت والخراب والتطرف والتمزق الذي أصاب مجتمعات هذه الدول.
ثالثاً: لتغطية فشلها في الضغط على قادة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، وتراجعها عن كل مبادراتها السابقة في ولاية أوباما الأولى الذي طالب بوقف الاستيطان في القدس والضفة بناء على توصية من مستشاره السابق جورج ميتشيل الذي استقال مهزوماً أمام الإسرائيليين وأمام اللوبي اليهودي الصهيوني الأميركي المتنفذ داخل الولايات المتحدة الأميركية.
وفشله خلال ولايته الثانية، التي سجل فيها وخلالها جون كيري وزير الخارجية رحلات متكررة غير مسبوقة العدد، بهدف التوصل إلى اتفاق يُنهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكنه فشل في تحقيق غايته وتراجع عن اقتراحاته التي بدأ بها خطواته وهي أولاً تحقيق انسحاب إسرائيلي من الضفة والغور والمعابر مع تأجيل 1- الانسحاب من القدس، و 2- إزالة المستوطنات، وثانياً أن يوفر الأمن للفلسطينيين وللإسرائيليين من خلال طرف ثالث أميركي أوروبي، ولكن هذه المقترحات وجدت الرفض العلني من قبل نتنياهو وحكومته، مدعوماً من قبل اللوبي اليهودي الأميركي المتنفذ في واشنطن.
رابعاً: وجاءت هزيمة الأميركيين في أوكرانيا أمام زخم المبادرة الروسية وقوتها واندفاعها، ما أعاد لروسيا بريقها، ومكانتها وكأنها في ذروة مجدها أبان الحرب الباردة.
خامساً: يريد توظيف الضعف الفلسطيني، أمام الاحتلال والانقسام والمديونية وابتزاز الشعب الفلسطيني وقيادته لقبول تسوية مهينة لا تلبي حقوقهم ولا تستجيب لقرارات الأمم المتحدة.
في ضوء هذا الفشل المتراكم تسعى الإدارة الأميركية إلى إعلان الموافقة الإسرائيلية الفلسطينية على استمرار المفاوضات بعد شهر نيسان، وخطورتها لا تكمن باستمراريتها بل تكمن خطورتها في أن سقفها سيكون "الإطار الذي وضعته أو الذي ستضعه الولايات المتحدة"، ويشكل أرضية للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ومحكومة له، هنا تكمن خطورة المفاوضات المقبلة إذا أعلن الجانب الفلسطيني موافقته عليها، فالموافقة تتضمن، الموافقة على دخول غرف المفاوضات محكومة بالسقف الذي حددته الولايات المتحدة، أي أن الإطار الأميركي هو مرجعية التفاوض وليس قرارات الشرعية الدولية، وأن حقوق الشعب العربي الفلسطيني المجسدة بقرارات الأمم المتحدة، تصبح بلا معنى، مثل أمل إبليس في الجنة.
الإدارة الأميركية سمحت للوفد الفلسطيني المفاوض في واشنطن أن يُعلن تحفظه على الإطار الذي تم تقديمه بشكل شفهي من قبل الفريق الأميركي، على خلاف ما هو معلن أن الإدارة الأميركية "لم تقدم الإطار رسمياً"، وهذا صحيح لم تقدمه رسمياً كوثيقة مكتوبة، ولكنها قدمته كورقة مكتوبة ومصاغة ومحددة بشأن القضايا الجوهرية وتتضمن مواقف وسياسات وتفاصيل بشأن القدس واللاجئين والحدود والأمن، وجميعها تضمنت محددات ومفاهيم وصفها أحد المفاوضين الفلسطينيين الذي كان يجلس على الطاولة في مواجهة الوفد الأميركي في واشنطن "أن روابط القرى التي أسسها (الليكود)، لا تستطيع قبول مثل هذه الاقتراحات كقاعدة للتفاوض".
الرشوة التي سيقدمها الجانب الأميركي هي الإفراج عن عدد من الأسرى في طليعتهم مروان البرغوثي وأحمد سعدات وفؤاد الشوبكي والعشرات مقابل القبول باستمرار المفاوضات على قاعدة وثيقة الإطار التي سيعلنها الأميركيون مع حق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي للتحفظ على ما جاء فيها، وبذلك تقدم واشنطن غطاء للوفد الفلسطيني للتورط في المفاوضات سقفها الإطار ويكون التحفظ الفلسطيني بمثابة "خديعة كبرى" للنفس وللشعب العربي الفلسطيني.
h.faraneh@yahoo.com