قراءة في لقاء الملك الصحفي
الأزمة السورية والحالة المصرية، والعلاقة الأمريكية السعودية والقضية الفلسطينية تمثل أبرز التحديات الاقليمية التي يواجهها الأردن، ذلك من خلال تقديم تحليل أولي للقاء الملك عبد الله الثاني مع صحيفة الحياة اللندينة.
تتداخل الأزمات الاقليمية مع الاوضاع الداخلية في المملكة؛ فالأردن يستضيف مليونا وثلاثمئة الف لاجئ سوري، ويتعامل مع تحديات امنية واقتصادية ناجمة عن الأزمة السورية، التي يرى الملك ان حلها لا يكون الا من خلال عملية سياسية قد تدفع باتجاه انعقاد جنيف 6، في تعليقه على المفاوضات الغربية مع ايران، يتبنى الملك وجهة النظر التي ترى بامكانية ان تدفع هذه المفاوضات الى اتباع سياسات مغايرة في المنطقة، وان تحدث تفاهمات مستقبلية قد تأخذ طابعا اقليميا.
المواقف الأردنية تجاه الأزمة السورية والملف الايراني تقترب الى حد كبير من القراءة الأمريكية الخاصة بادارة الرئيس الأمريكي اوباما، الا ان الملك عبر في ذات الوقت عن حاجة ضرورية لاخذ وجهة النظر السعودية بعين الاعتبار، فالولايات المتحدة الأمريكية تتضارب سياستها تجاه سوريا وايران مع المصالح السعودية الى حد يثير مخاوف وقلق القيادة السعودية، كما ان الموقف الأمريكي الغامض من السلطة الجديدة في مصر وطريقة التعامل مع الحدث المصري قد لا تكون مرضية للسعودية، التباين الأمريكي السعودي يعتبر واحدا من التحديات التي تواجهها المملكة الأردنية نتيجة عدم التوافق، لذلك فان التعويل على حوار يأخذ طابعا استراتيجيا في المنطقة وهو موضوع الزيارة الأمريكية الى المملكة العربية السعودية، التي زاد من تعقدها الخلاف القائم في البيت الخليجي.
في لقائه الصحفي ركز الملك عبد الله الثاني على الأزمة السورية والكلف العالية لاستضافة اللاجئين، والتي تقدر بـثلاث مليارات دولار، مع العلم ان الدول المانحة قد أقرت مليارا ومئة مليون دولار للتعاطي مع الأزمة لم يتم الالتزام الى الان الا بـ 15% من قيمة هذه المساعدات، في مقابل التحدي الاقتصادي للأزمة السورية فان التحدي الامني هو الجانب الاكثر الذي يبدي فيه الملك ثقة كبيرة لوجود جهوزية عالية لدى الأردن ودعم دولي، في حين يبقى المسار السياسي رهينة بالقوى السورية والتفاهمات الدولية والاقليمية وقدرة القوى الاقليمية والدولية على رأسها أمريكا وروسيا وايران والسعودية على ايجاد قدر من التوافق على التعاطي مع سوريا المستقبل، وهو امر يبقى في حكم المجهول، وهو ما عبر عنه الملك بضرورة ان يتقي السوريون الله بوطنهم.
لم يتوقف اللقاء عند تناول التحديات الاقليمية بل امتد الى التحديات الداخلية؛ فالملك أظهر ثقة عالية بمسار الاصلاح السياسي، مشيرا الى ان الاخوان لم يخرجوا من العملية السياسية وانما اختاروا المقاطعة، وهي اشارة واضحة الى ان العملية السياسية لا تقتصر على الانتخابات، ما اكده في لقائه في اكثر من موضع، الا ان المديونية والتحدي الاقتصادي هو الجانب الاكثر اثارة للجدل؛ فالملك يعتبر ان التحديات الاقتصادية التي تواجهها المملكة نتاج لازمة الطاقة التي تعاني منها المملكة، القراءة الأردنية لها دور كبير في تحديد جوانب من سياستها الخارجية، ومثال ذلك العراق على سبيل المثال، بانشاء خط انابيب لنقل النفط وهو الامر الذي يسير بالتوازي مع تحول العراق الى الشريك التجاري الاول للاردن بعد السعودية وأمريكا والامارات؛ حيث يقدر حجم هذه الشراكة بـ مليار دولار منها 850 مليون دولار صاردات اردنية.
الاقتصاد هو الجانب الاكثر تعقيدا؛ فالملك يؤكد على ان الأزمة الاقتصادية لن تؤثر على المسار الاصلاحي الذي تم رسمه ويذهب الى ضرورة السير في اصلاح اقتصادي، ما يعني الفصل بين المساريين بحيث لا يؤثر احدهما في المسار الاخر، او يحدد معالمه، الملك عبد الله الثاني يؤكد على ان الفساد في الأردن ظاهرة تم تضخيمها؛ بحيث أثرت على جذب الاستثمارات وقدم قراءة وتحليلا لهذه الظاهرة منبها الى وجود قراءات وتحليلات خاطئة في هذا المجال.
في كل المسارات السياسية الاقليمية والمحلية تبرز القضية الفلسطينية كشأن داخلي لها تداعياتها على مجمل العملية السياسية؛ فالملك عبر صراحة عن رفضة للوطن البديل ومنطق المحاصصة وأكد على اهمية اخذ مصالح الأردن بعين الاعتبار في التسوية المقبلة.
غلبة حالة انعدام اليقين السياسي في الأزمة السورية والعلاقات البينية بين الحلفاء وضرورة التنسيق والتفاهم للوصول الى استراتيجية معقولة، لاشك انها تحد من قدرة الأردن على التعاطي مع ملفاته الداخلية بفاعلية، سواء الاقتصادية او السياسية كونها تتأثر بشكل كبير بالتطورات الاقليمية والدولية واعتماد الأردن على الدعم المقدم من حلفائه واصدقائه قد يتأثر في المستقبل ان لم يتمكن الحلفاء من صياغة استراتيجياتهم المستقبلية وصياغة تفاهمات مستقبلية، فأي تدهور في العلاقات بين الحلفاء سيمثل تحديا كبيرا للسياسة الاردينة الاقليمية والمحلية، ما يعني ضرورة اجراء مراجعة عميقة للسياسات المحلية والعلاقات الاقليمية، الا ان المدقق في لقاء الملك الصحفي يلاحظ قدرا عاليا من الثقة بامكانية تخطي هذه المرحلة، وبروز تفاهمات اقليمية ودولية تتيح المجال للملكة الحفاظ على مسارها السياسي والاقتصادي.