عمان "أمنا" التي أهانوها

اختارت الأمانة شعار "أمنا عمان" عنوانا لحملة أطلقتها مؤخرا تهدف لاستعادة ألق العاصمة الذي انطفأ في السنوات الأخيرة.
الحملة التي بدأت بافتتاح الساحة الهاشمية أول من أمس، بعد عملية ترميم وتجميل واسعة طالت جميع نواحيها، وأعطت ما يمكن وصفه بـ"موديل" لما يجب ان تكون عليه ساحات عمان وميادينها وحاراتها.
"أمنا" عمان تعرضت خلال سنين مضت للكثير من الإهانات، والإعتداءات،على يد أبنائها من المسؤولين والمواطنين، فتحولت مع مرور الوقت إلى مدينة شاحبة، تعج بالفوضى؛ فوضى المرور والتنظيم، والبناء، وتراجع مستوى النظافة. والأهم من ذلك أنها أوشكت على فقدان هويتها الحضارية والمدنية.
صحيح أنها خضعت لأكثر من عملية تجميل، لكنها لم تفلح في معالجة التشوهات التي أصابت بنيتها، بل وفي بعض الأحيان، كان لهذه الجراحات المرورية والتنظيمية أثر سيئ عليها.
لسنوات مضت افتقرت عمان وأمانتها للقيادة والرمزية، التي عهدتها أيام شخصيات من أمثال عبد الرؤوف الروابدة، وممدوح العبادي. قفز إلى قمرة القيادة "صنايعية" لا يدركون حسّ الجمال في المدينة، ومعنى الحياة في مدينة هي قلب الأردن، وروحه المتصلة بالعالم من حولنا.
باختصار أصبحت عمان مدينة كسائر المدن الآخرى، تتوسع على نحو عشوائي، وتفقد كل ماورثت من لمسات الجمال في طبيعتها الجبلية،وتكوينها الاجتماعي أيضا.
أصبح كل شيء في عمان فجّا، وغير انساني، مبانيها وجسورها، وشوارعها وأرصفتها، لا بل وناسها أقل تمدنا وعصرية في سلوكهم العام، وعلاقاتهم مع بعضهم،ومع مرافق المدينة الخدمية.
كوادرها العاملة فقدت شعورها بالولاء وتميزها بالعمل؛ منذ أسابيع أتابع عمل ورشة تحاول إعادة تأهيل منهلين في امتداد شارع وصفي التل باتجاه منطقة دابوق ليكونا بمستوى الشارع، وحتى الآن لم يفلحوا بذلك رغم "صب" المساحة التي لا تزيد عن مترين بالأسمنت، فقد عادت المنطقة الصغيرة المحيطة بالمنهلين وهبطت مرتين، وتحولت لمصيدة لسيارات المواطنين الغلابى.
مثال صغير، لكنه يعطي صورة عن الحالة الاتكالية، وتراجع القدرة والكفاءة في العمل ولكم أن تقيسوا على ماهو أكبر.
"أمنا عمان" تشكو منذ سنوات تطاول الأبناء على بيئتها، وحدائقها وأشجارها؛ في المنطقة المجاورة لمنزل الدكتور سعيد التل في قلب العاصمة، أقدم مقاول بناء قبل أسابيع على قطع عشرات الأشجار المعمرة دون أن يسأل. وعندما تم تنبيه الجهة المسؤولة لهذه الجريمة، وعدت بتغريم المقاول. وماذا يضير رجل أعمال دفع مبلغ من المال؟!
الحاصل أننا لم نعد نكترث للإهانات التي تتعرض لها "أمنا"، فقد غض كبار المسؤولين الطرف عن التعديات، لا بل تورطوا فيها، ولم يرتجفوا دفاعا عن أموالها التي وزعت يمينا وشمالا، ولا عن أراضيها التي سرقت، وشوارعها التي صارت ساحات لخيام العزاء والأفراح.
يراهن كثيرون وأنا منهم على حملة الأمانة التي أطلقها عمدة المدينة عقل بلتاجي. الرجل حين تقابله تلمس الحرقة في قلبه، ووجدانه؛ يتحدث باستفاضة عن عمان التي يحلم بها، ونشاركه الحلم أيضا. لكن الأمنيات وحدها لاتكفي، والشعارات مهما بدت ملهمة وآخاذة لا تجدي.
البداية طيبة دون شك، بيد أن المهمة شاقة وكبيرة،عسى أن تنجح، وتستعيد "أمنا عمان" شيئا من ألقها وكرامتها وجمالها.