معركة الكرامة ... بيرق شامخ وبارقة أمل


كثيرة هي المعارك التي خاضها العرب ضد دولة إسرائيل الكيان من بينها وأهمها حرب 1948م وحرب هام 1967م ، المعارك التي خسرها العرب جميعا وأضيعت كنتيجة مباشرة لها كل فلسطين ووقوعها تحت الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي الصهيوني ، لمشاكل ذاتية عانى منها العرب وأرهقتهم ، منها عدم التنسيق بين الدول العربية حتى مع ردات الفعل التي بني عليها دائما الموقف العربي العسكري والسياسي ، وانتشار ظاهرة التشكيك بالمواقف بين المعسكرين المشكلين البنية السياسية في العالم العربي .

بعدها وبعد تحقيق الانتصار الإسرائيلي وانطلاق منظمة التحرير والثورة الفلسطينية الحديثة 1965م ، نشر العدو الصهيوني بين العرب مستوياتهم الرسمية والشعبية ظاهرة تخويفية جديدة للأسف تناقلتها بعض الإذاعات والقوى الحزبية العربية ، ( الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ) ، ظاهرة قبل بها الجميع العربي تقريبا ، بل تعامل معها كواقع على الجميع الحذر منه والخضوع له ، وكانت سببا مباشرا في النكوص العربي تجاه القضية الفلسطينية في تلك المرحلة الحساسة ، والتي شهدت إعادة الهوية الفلسطينية للبروز ، وتفجر الإرادة التحررية الفلسطينية ، بعدما كان من أهداف الحربين السابقتين إفناء الهوية الفلسطينية وطمس معالمها .

وللانقضاض على التحرر النفسي الذي أريد للفلسطينيين البقاء محبوسين بدائرته ولإلغاء أو تحجيم ثورتهم الفتية آنذاك التي نجحت بتحويل جموع اللاجئين إلى مقاتلين من أجل الحرية ، وللانتقام من الموقف الأردني بنطاقيه السياسي والعسكري الداعم بقوة للوجود الفدائي الفلسطيني فوق أراضيه ، شن الجيش الإسرائيلي الذي وصف نفسه بالذي لا يقهر ، هجوما كبيرا من عدة محاور وعلى نطاق أمتد من جسر الملك حسين وجسر الأمير محمد مع أنّ الجيش الإسرائيلي حاول بعد عدة ساعات لتوسيع النطاق حتى جنوب البحر الميت إلا أنّ التوسع مني بالفشل الذريع لقوة المدفعية الأردنية المواجهة ، مستخدما الآليات والطائرات والمشاة المحمولة ، فتصدت له قوات العاصفة التابعة لحركة فتح وقوات جيش التحرير الفلسطيني وقوات التحرير الشعبية التابعة له فقط ، بينما انسحبت للخلف بعيدا عدة قوى وتنظيمات فلسطينية مسلحة يسارية تحت ذريعة أنّ القوى غير متكافئة عسكريا .

وبدعم وإسناد مباشر من القوات الأردنية التي استخدمت المدفعية الثقيلة بتركيز شديد مما أدى لتبعثر القوات الإسرائيلية وتشتيتها وبالتالي تهيئة الظروف القتالية للفدائيين الفلسطينيين للاشتباك المباشر مع الآليات الإسرائيلية الضاربة والناقلة للمشاة المربوطين داخلها بالسلاسل ، والتي كثيرا ما كان يخرج لمواجهتها الفدائي الفلسطيني المسلح بالبنادق الآلية وبالألغام والقنابل اللاصقة من خنادق كانت جهزت بالمنطقة .

ستة عشر ساعة هي مدة المعركة الشرسة ، كانت ولأول مرة طويلة جدا ومرت عصيبة على الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ، والذي ولأول مرة ذاق كأس الهزيمة والاندحار ، وبنفس الوقت كانت من أروع لحظات الانتصار التي سجلها العربي ، فأعادت الكرامة البلدة الأردنية الوادعة الكرامة العربية المفقودة ، وتوج الأردن العظيم بالانتصار بعد أن روي وجبل ترابه بالدم الأردني الفلسطيني الواحد ، تماما كما روي جبل تراب فلسطين والقدس بدم الجندي الأردني المغوار .
Alqaisi_jothor2000@yahoo.com