حول زفّة دحلان في الرد على عباس!!
ليس من عادة الفضائيات أن تبث مقابلات تستمر ساعتين ونصف الساعة. وفي بدء اطلاقها كانت هناك برامج لساعة ونصف الساعة، لكنها ما لبثت أن اختصرت إلى ساعة واحدة، هي في واقع الحال أقل من 50 دقيقة.
لكن محمد دحلان كان متميزا، فقد حصل من قناة "دريم2” المصرية على مقابلة مباشرة لمدة ساعتين ونصف الساعة، دون حساب الفواصل الإعلانية، أي أنها بحساب البرامج عبارة عن ثلاث حلقات من برامج الساعة الكاملة. ولا أعتقد أن مقابلة كهذه قد حصل عليها قائد في التاريخ.
ولما كان موضوعا كهذا لا يثير كثيرا المشاهد المصري، فالأرجح أن القناة، وكذلك المقدم قد تعاملا معها كإعلان مدفوع الأجر، ولا نعرف كم دفع لهم دحلان في المقابل، وهو سيدفع دون حساب تبعا لحاجته إلى منصة للرد على خطاب عباس الذي تضمن اتهامات خطيرة له، لاسيما أنه لم يغادر "طموحه” كما اعترف، وطموحه كما يعلم الجميع هو أن يكون بديلا لعباس في قيادة الشعب الفلسطيني. ألم يرسل له نتنياهو مبعوثه الخاص (الدائم، وأقرب أصدقائه ومساعديه)، المحامي إسحق مولخو إلى مدينة عربية (قيل إنه التقاه بضع مرات كما كشفت معاريف)، وذلك قناعة من نتنياهو بأنه بديل أفضل من عباس؟! مع أن الأمر في هذه المرحلة لا يعدو أن يكون تلويحا للأخير بمصير عرفات إذا تلكأ في تمرير المطلوب منه، والذي يبدو خيارا من اثنين، إما تسوية على مقاس نتنياهو، أو استمرار للوضع القائم، والذي لا يبدو سيئا بالنسبة للإسرائيليين، لاسيما أن الرجل لا يقصر أبدا في التنسيق الأمني، وفي لجم أية احتمالات لاندلاع انتفاضة في الضفة الغربية.
من المفيد ابتداءً القول، إن منح دحلان منصة مصرية للرد على عباس لا يمكن تفسيره خارج سياق الرضا عن الأول أكثر من الأخير (مرحليا في أقل تقدير)، وربما كان ذلك هو الأنسب إسرائيليا، لأن تخويف عباس بدحلان هو المطلوب، تماما كما كان هدف لقاءات مولخو معه، ومن ثم كشف مضمونها (لم يسأل وائل الأبراشي دحلان عن تلك اللقاءات، وهو أمر مقصود بكل تأكيد).
من الصعب تلخيص حوار بذلك الطول والإسهاب في مقال سريع كهذا، لكننا إذا شئنا تقسيم الحوار، فإننا إزاء قسمين كبيرين؛ الأول كان دفاعا عن النفس أمام اتهامات عباس الكثيرة له، والتي كان أهمها الاتهام الضمني له بإدخال السم إلى عرفات (نبيل شعث قال، إنه فعل ذلك عبر علبة دواء)، التواطؤ مع الصهاينة في اغتيال القيادي الحمساوي الكبير (صلاح شحادة)، واغتيال سبعة آخرين من فتح، التجسس على حزب الله وحماس، فضلا عن الفساد المالي.
في هذا السياق الأخير، رد دحلان على النار بالمثل، وقال عن فساد عباس وأولاده الكثير، فيما أعلن في نهاية اللقاء أنه يحتفظ بملف من (18 تيرابايت) يخص تفاصيل ذلك الفساد وبوثائق بتوقيعات المعنيين، ورد على التهم الأخرى، بخاصة ما يتعلق باغتيال عرفات -رحمه الله-، بما اعتبره فضحا لعلاقة عباس بالراحل، وتآمره عليه، ومجيئه على ظهر دبابة إسرائيلية (تآمرا عليه معا). ليبقى السؤال معلقا للرجلين بذات الروحية، وهو كيف تحالفا كل ذلك الوقت وهما يعرفان عن بعضهما كل ذلك، اللهم سوى أنهما شريكان في العبث بقضية الشعب الفلسطيني الذي لم يعرف شيئا قبل اقتتالهما على الغنيمة؟!
القسم الثاني من الحوار كان يتمثل في إطلاق النيران على الإخوان المسلمين وقطر والجزيرة وأردوغان. وكان لافتا أن نصيب الإخوان كان الأكبر، ربما لأن ذلك يرضي من يحب إرضاءهم، ويرضي في ذات الوقت أصحاب الأرض (بلغة الملاعب)، ويمنحه فرصة التأثير في قطاع غزة.
عن جماعة الإخوان، قال الرجل ما لم يقله مالك في الخمر، لكن الأكثر إثارة هو اعتبارها عميلة ضمنيا للأمريكان الذين كانوا يريدون من خلالها إنشاء هلال سنّي ضد هلال شيعي، ومن ثم تفتيت المنطقة، وهو ما تصدى له، هو و”رفاقه” الذين يعمل معهم، فكان أن تمكنوا من إفشال”المؤامرة الإمبريالية”، وذلك عبر "أهم ثورة في التاريخ البشري”، بحسب تعبيره، وهي ثورة 30 يونيو المجيدة!!
ويبقى أردوغان الذي ناله فاصل عابر لا أكثر، لكنه هام، فهو كان شريكا في حكاية الهلال السنّي الذي كان يعده الإخوان. أما الأهم فهو قول دحلان بأنه "فاسد وحرامي وسرسري”، كذا!! ويبدو أن دحلان يعاني كثيرا من القهر حيال أردوغان الذي نجا، أقله إلى الآن من مصير مرسي الذي كان يُطبخ له، وهو يطبخ أيضا لثورة ليبيا وتونس واليمن.
يبقى أن الشق الفلسطيني من اللقاء كان الأهم، لكن ما ذكره يدينه، تماما كما أن الكثير مما ذكره عباس في الخطاب يدينه أيضا (أعني عباس)، فكيف اتفق أن كلا الرجلين يعرفان عن بعضهما كل هذه "البلاوي” وكانا يسكتان، بل يتحالفان مع بعضهما، أولا في التخلص من الراحل عرفات، وثانيا في السيطرة على فتح والسلطة بعد ذلك.
من كان معنيا بمعرفة واقع السلطة وفتح، وربما القضية راهنا، فما عليه إلا أن يستمع للخطابين بالكامل، ونكرر بالكامل، ويدعو الله بعد ذلك أن يأخذ الشعب الفلسطيني زمام المبادرة ويفجر انتفاضته الجديدة التي قد (نكرر قد) تتمكن من كنس بعض هذا البؤس عن وجه القضية.