فشل الأولويات الإسرائيلية
لم تحظ ألاعيب رئيس حكومة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، نتنياهو، حول إيران، لجعلها تبقى العدو رقم واحد، وأنها مصدر القلق والخطر على تل أبيب، وذلك من خلال تسليط الأضواء على محتويات السفينة " كلوز سي " واستيلاء البحرية الإسرائيلية عليها وتوجيه مسارها نحو إيلات في خليج العقبة.
لم تحظ ألاعيب نتنياهو باهتمام الإسرائيليين، رغم "حمولة السفينة من الصواريخ النوعية، والمرسلة من إيران والمعدة للتصدير الخفي، نحو قطاع غزة لصالح حركة الجهاد الإسلامي"، وليس هذا وحسب بل أخفق نتنياهو في جذب التعاطف الأوروبي نحو ألاعيبه، في إظهار المخاوف الإسرائيلية، ولم يصدر عن أشتون مسؤولة السياسة الأوروبية التي زارت طهران في فترة انكشاف السفينة ما يشجب المسألة ودوافعها وانكشاف حمولتها ووجهة سيرها، كما لم يصدر من واشنطن ردة فعل توازي الأولوية التي يسعى لها نتنياهو، في جعل إيران أداة الشر، ومصدره في المنطقة العربية، وشرق أسيا، والخليج العربي، ومحاولته تعرية إيران و"إظهار أكاذيبها وتضليلها للعالم" على أنها غيرت من سياستها، ويتضح من السياق بمجمله أنه فشل في إحباط المساعي الدولية الهادفة إلى تطبيع العلاقات الأميركية الأوروبية معها ثمناً لوقف تخصيبها لليوارنيوم.
فشل نتنياهو، وتباكيه، ومحاولاته إبقاء واشنطن والعواصم الأوروبية أسرى مربع الاهتمامات الإسرائيلية وأولوياتها، ليس مرده في عدم قدرته على الإقناع فحسب، بل يعود ذلك لأسباب جوهرية طرأت على الاهتمامات الأوروبية والأميركية، وجعل مصالحها، لها الأولوية، ولو كان ذلك على حساب المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، الذي لم يعد، في قلب اهتمامات واشنطن وأوروبا وأولوياتها لعدة أسباب منها :
أولاً : بعد تدمير قدرات الجيش العراقي 2003، واستنزاف الجيش السوري 2011 ولا يزال، ووقف تخصيب اليورانيوم الإيراني 2013 بما يحول دون تطوير قدرات طهران وتسلحها النووي، وبقاء قدرات الجيش المصري مرهونة لسياسات كامب ديفيد وقيودها، وضعف المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني وانقسامه، بحيث لم يعد هناك، ما يشكل خطراً على إسرائيل من جيوش هذه الدول وبرامجها.
ثانياً: إن إيران تسعى للاندماج مع الوضع الدولي، ودفعت ثمن ذلك، ولا تزال، وتتجاوب مع الرغبات والمصالح المشتركة التي تجمعها مع الأوروبيين والأميركيين.
ثالثاً: سياسة إسرائيل العدوانية التوسعية، وعدم تجاوبها مع مساعي التسوية واستحقاقاتها، تُحرج الأوروبيين والأميركيين على السواء، إضافة إلى خسارة تل أبيب أهم أسلحتها المعنوية وهي 1- المذابح التي تعرض لها اليهود في أوروبا واستنفاذ توظيفها، و 2- توقف أي مظهر من مظاهر الإرهاب الفلسطيني، الذي كانت تستغله لمصلحة مواصلة برنامجها التوسعي الاستيطاني الاستعماري، وبغياب هذين العاملين فقدت أسلحتها الهجومية وأدوات التعاطف معها.
رابعاً: فشل السياسة العدوانية العسكرية الأميركية ومن خلفها السياسة الأوروبية، وحروبهم في أفغانستان والعراق وليبيا وتدخلاتهم التي أرهقت الموازنات في بلدان التدخل العسكري، ولم يعد لها ما تملكه من هوامش مالية تسمح لها بالمغامرات، ما يدفعها نحو التوصل إلى منتصف الحلول مع إيران، والعمل على تطبيع العلاقات معها.
خامساً: نجاح سياسة المقاطعة الاقتصادية الأميركية الأوروبية، لإيران، التي أعطت ثمارها ودفعت طهران نحو تغيير جزء أساسي وجوهري من سياساتها الهجومية، بما فيها وقف محاولات تخصيب اليورانيوم، وقبولها بالتفتيش والإذعان لوقف تطلعاتها بالحصول على السلاح الذري.
h.faraneh@yahoo.com