اقرأوا خطاب فلاديمير بوتين!
في الزمن العربي الرديء الراهن، يجدر بالعرب ان يقرأوا جيداً وعميقاً المعاني اللافتة والنبرة المُتَحَدّية «المثيرة» التي انطوى عليها خطاب الرئيس الروسي، نجم المرحلة بلا منازع، والذي القاه امام الجلسة المشتركة لمجلسي البرلمان الروسي (النواب والشيوخ) او الدوما ومجلس الاتحاد، واضعاً فيه حداً لمحاولات الابتزاز وتزييف الحقائق، وحملة التضليل الاعلامي المحمولة على ضغوط سياسية ودبلوماسية وتلويح بعقوبات اقتصادية، التي تقودها عواصم الغرب الاستعماري بزعامة الولايات المتحدة الأميركية.
قد يجد فيه بعض الذين استقالوا من عروبتهم، خطاباً ايديولوجياً، يريد احياء الحرب الباردة، ويسعى لاستعادة المجد السوفياتي الغابر او محاولة للهروب الى الأمام والهاء شعوب الاتحاد الروسي، وهي تفسيرات متهافتة تحيل الى ثقافة الخضوع والاستسلام امام الاقدار الصهيواميركية، وعقدة «الخواجا» التي ما تزال تحكم العقل العربي (الرسمي حتى لا يخطئ احد) والتي اقرّت منذ عقود طويلة، بأن الأوراق كلها في يد السيد الاميركي، وان الذي يرجو رحمة الخالق، في حياته وفي الممات، ان يهديه السبيل لنيل رضى ساكن البيت الابيض، الذي بيده الورقة الخضراء الساحرة (الدولار) والسلاح الفتاك القادر على اصابة قصر الحاكم من أي طائرة بدون طيار الموجودة في سماوات العرب..
ليس خطاب بوتين...احببته او كرهته، أُعْجِبتَ به ام رأيت فيه وجها امبريالياً آخر، على ما «يهرف» به بعض ادعياء اليسار العدمي، نقول: ليس خطاب سيد الكرملين ديماغوجياً او ايديولوجيا، بل يتكئ على تراث عميق من الكرامة الوطنية والشعور بالسيادة القومية ورفض الخضوع لاملاءات الغرب او الإقرار بأنه (الغرب) صاحب الحق في كتابة جدول أعمال العالم وتقرير مصائر الشعوب والتخندق خلف القانون الدولي متى رأى في ذلك مصلحة له، تسمح له بادارة ظهره-وبازدراء-للعالم ضاربا عرض الحائط بشرعة حقوق الانسان وميثاق الامم المتحدة، وتفسيره-هذا الميثاق-وخصوصا قرارات مجلس الامن، وفق مصالحه على النحو الذي رأيناه في القرار 1973 الخاص بليبيا، ذلك القرار الذي سمح «فقط» بانشاء منطقة حظر جوي، والباقي معروف ومحفوظ جيدا في «الذاكرتين» الروسية والصينية.
بل ثمة سلوك امبريالي فظ وعدواني، تجلى في نصف القرن الماضي عندما «اندلعت» الحرب الباردة وراحت زعيمة العالم الموصوف زورا بـ (الحر) تدعم كل الديكتاتوريات وانظمة القمع، تدبر الانقلابات والاغتيالات وتتدخل عسكريا، في سعي لوضع العالم تحت جناحي «نسرها» الفاجر.
لم يكن العراق وافغانستان ولبنان وليبيا (في عهد ريغان) ونيكاراغو وهاييتي وغرانادا والسودان وكوبا وتشيلي وتركيا (في عهد العسكر وفي زمن المسلم المعتدل.. اردوغان) وخصوصا ودائما في فلسطين، سوى الدلائل «الساطعة» على بشاعة الدور الاميركي الامبريالي الذي سوّق «حُلمه» الخيالي لاخفاء بشاعة نهجه وايديولوجيته القائمة على القتل والنهب ومعاداة الشعوب ودعم الانظمة الفاشية والعنصرية.
ماذا عن اوروبا الشرقية وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة؟ ليس في الامر ما هو استثنائي عندما عملت لـِ «الاستيلاء» على التركة السوفياتية وضمها الى حلف شمال الاطلسي، لوأد روسيا (وهي تعلم ما هي روسيا في التاريخ والحضارة، حتى قبل ان تبزغ الولايات المتحدة كدولة، لم يزد عمرها عن قرنين ونيف حتى الان).
ليس كوسوفو وحدها المثال «الأبشع» على الاستهتار الاميركي (والاوروبي ايضا) بالقانون الدولي، والتي تعلم واشنطن كما بروكسل انها سددت طعنة نجلاء لروسيا (قبل صربيا) عندما اصرت على اجراء الاستفتاء فيها واعترف الغرب الاستعماري بها، فارضاً الامر كحقائق ميدانية، دون ان يمنح فرصة لاي حجة قانونية او اخلاقية.
الان تعود شبه جزيرة القرم الى الوطن الأم, تسترد «هديتها» التي أنعم بها خروتشوف على اوكرانيا دون أن يستشير شعبها, وكل ما فعله بوتين انه استشار هذا الشعب. صحيح أن الاستشارة تأخرت ستة عقود والأصح عقدين ونيّف (1992), بعد أن «أَخْرَجَ» الانفصاليون, اوكرانيا من الاتحاد السوفياتي, أما حكاية ضمها لحلف الاطلسي، فكانت مسألة وقت وهو هدف الفاشيين والنازيين الذين استولوا على السلطة في 22 شباط الماضي يوما واحدا بعد الاتفاق الذي تم بين المعارضة ويانوكوفيتش..
ماذا قال بوتين عن الغرب الامبريالي؟
«... يعتقدون أنهم يتمتعون بمكانة استثنائية ويشعرون بأنهم المختارون وبامكانهم تقرير مصائر العالم وأنهم فقط مَنْ هُمْ على حق»..
محذراً قبل ذلك، بأنهم في الغرب «تجاوزوا الخط الاحمر وتصرفوا تصرفاً غير مسؤول».
ماذا بعد؟
اقرأوا كامل الخطاب، وقرروا ما اذا كان كلاماً فارغاً أم ان «رائحة» الكرامة والشعور بالثقة هي التي تَنْظُمُ المواقف وتضع النقاط على الحروف.