ربحت الحكومة وفاز النواب
ربح رئيس الوزراء د. عبدالله النسور الجولة، ونالت الحكومة ثقة لم تكن في البال. الثقة الثانية ستطيل عمر الحكومة. النسور خرج من المواجهة أقوى مما كان، وخصومه خسروا المعركة. خطر حجب الثقة لم يعد سيفا مسلطا على رأس الحكومة. وأكثر من ذلك؛ لا توجد أغلبية نيابية ضد معاهدة وادي عربة، أو مع طرد سفيرها من عمان.
سيقال هذا وغيره، وفيه بلا شك قدر من الدقة. وعن مجلس النواب سيقال الكثير أيضا؛ أغلبيته عاندت الإرادة الشعبية، ونواب الثقة خسروا ثقة قواعدهم، وخضعوا للتوجيهات بدعم الحكومة. صحيح؟ ربما؛ فشعبية النواب لم تكن في أحسن حال قبل قضية الشهيد رائد زعيتر، وكذلك شعبية الحكومة.
سنسمع تقريعا قاسيا للنواب؛ لماذا رفعتم سقف التوقعات إن كنتم غير قادرين على الفعل؟ ولماذا منحتم الحكومة فرصة لتجديد الثقة بها؟
لكن في عز الانفعال، وفي أجواء التصعيد التي شهدناها خلال الأيام الماضية، ثمة فوائد كثيرة تحققت لا يمكن تجاهلها. المواجهة التي حدثت تحت القبة أمس، وانتهت بفوز الحكومة بثقة 81 نائبا، لم تكن خسارة صافية للنواب والرأي العام، ونصرا خالصا للحكومة وإسرائيل، كما يقول البعض.
لقد اتخذ مجلس النواب موقفا حاسما وقويا بحق إسرائيل، ينسجم إلى حد كبير مع موقف الشارع الذي استفزته الجريمة الإسرائيلية. ضغط النواب على الحكومة بقوة، ورفعوا سقف مطالبهم، وهددوا بسحب الثقة إذا لم تستجب الحكومة لتلك المطالب.
كان لهذا كله صدى واضح في إسرائيل، ظهر جليا في رسائل الاعتذار والأسف المتلاحقة. خلف الكواليس، قال المسؤولون الأردنيون لنظرائهم الإسرائيليين كلاما تحذيريا قاسيا: إذا لم تقدموا شيئا، لن نستطيع الصمود على مواقفنا طويلا، وقد نستجيب لمطالب النواب؛ أقلها طرد السفير، أو الإفراج عن أحمد الدقامسة.
تخيلوا لو أن مجلس النواب اتخذ غير هذا الموقف، وقبل بالتهدئة ولم يرفع صوته. وكذا فعل الشارع، ولم تخرج مسيرات تندد بالجريمة؟
ليس صحيحا أن إسرائيل ربحت وأفلتت من العقاب على جريمتها. لقد كانت الأيام الماضية مناسبة عرفت فيها إسرائيل من جديد مقدار العداء لسياساتها في الشارع الأردني، وفي قلب السلطة التشريعية.
إسرائيل خرجت خاسرة، ومدانة على جريمتها. والأهم من ذلك، أكثر إدراكا بأن ثمن التحرش بالأردن سيكون باهظا في المستقبل.
كان النواب على قناعة بأن سقف مطالبهم مرتفع، ويتعذر تلبيتها لاعتبارات معروفة. وحتى لو استجابت الحكومة، فإن ذلك لن يقدم شيئا لقضية الشهيد زعيتر. قبل يوم من التصويت على الثقة، كانت الأغلبية النيابية تعرف النتيجة سلفا.
لم تسقط الحكومة تحت القبة. من قال إن هذا هو المطلوب. الهدف حشر إسرائيل في الزاوية، وإلزامها بتحمل المسؤولية عن الجريمة.
لم يتحقق هذا الهدف كاملا بعد. مسؤولية الحكومة ومجلس النواب هي متابعة التحقيق المشترك حتى النهاية، ومحاسبة المجرم على فعلته النكراء. لكن الرسالة وصلت لإسرائيل حتما؛ الأردنيون ليسوا على استعداد للتنازل عن دمهم، والأردن ليس في الجيبة كما يعتقدون. أما ما تبقى من أمور تخص منح الثقة أو حجبها، ومن ربح وخسر، فتبقى تفاصيل في الحياة السياسية، لا يعود لها قيمة مع مرور الوقت.