الدولة المدنيّة خيار الأردن الوحيد


أخبار البلد -باتر محمد علي وردم 
من المشاكل الجوهرية التي نواجهها في الأردن أننا لا نزال من الشعوب القليلة في العالم التي هي غير قادرة على حسم ضرورة التحول نحو دولة مدنية لجميع مواطنيها، ومن الشعوب التي لا زالت تواجه ذاتها باتهامات حول جدية ومصداقية الولاء للدولة أو "الهوية الوطنية” -حسب تعريف المصطلح الغامض- بين أفرادها. وبدلا من التصدي للتحديات السياسية والاقتصادية والتنموية التي تؤثر على سبل معيشة ومستقبل الجميع في هذه البلد فإننا نصر دائما على إحداث التمييز خاصة من قبل مجموعة تستمتع بلعب دور المرجعية الوطنية في توزيع صكوك الوطنية والولاء. البعض يضع الجغرافيا شرطا للولاء، والبعض الآخر يحدد لحظة معينة في التاريخ تفصل بين ما هو قبلها وما هو بعدها، والبعض يركز على السياق الاجتماعي والعائلي شرطا للانتماء والأخطر من ذلك هو قيام البعض بجعل نوعية التخطيط لمستقبل الدولة معيارا للولاء، فمن يُردِ الاستمرار في الدولة الريعية التقليدية فهو وطني ومن يُردِ التحول نحو دولة مدنية حديثة فهو عميل للخارج بغض النظر عن الأصول والمنابت. لا أحدَ ينكر بأن الأردن يواجه حاليا الكثير من التحديات الحساسة وخاصة في سياق الحل النهائي للقضية الفلسطينية وتداعيات الأزمة المتفاقمة في سوريا، ولكن يجب الانتباه والحرص قبل أن نقرر القفز الانتحاري في مستنقع تصنيف الهويات والولاء. علمتنا تجارب الدول في العالم أنه لا توجد دولة مبنية على "نقاء ووحدانية” في الهوية الثقافية والديمغرافية، وأن تعدد الهويات الثقافية سائد في كل دول العالم والدول الناجحة هي التي تستثمر هذا التعدد ضمن إطار المواطنة والديمقراطية والتنمية والدول والمجتمعات الفاشلة هي التي تسعى وراء إحداث انقسام سياسي مبني على تعدد الهويات الثقافية.
كل هذا الطرح يتناقض تماما مع الأسس التعددية التي قامت عليها الدولة الأردنية والتي يحميها الدستور، فلا أحدَ يملك اي حق في تصنيف وتقييم المواطنين في مستوى الولاء بناء على مثل هذه المعايير ولا أحدَ يملك الحق في توزيع صكوك الانتماء لأي مواطن أردني. هذا في حال وافقنا على أن الدولة الحديثة في القرن الحادي والعشرين تحتاج إلى شروط الولاء من قبل مواطنيها أكثر من شروط الانتاجية الايجابية والقبول العام بسيادة القانون على الجميع. كل شخص بنى مدماكا في الأردن هو منتم وكل شخص أسهم في تقديم خدمة لأبناء المجتمع هو وطني. المعيار الوحيد لنوعية الولاء والانتماء هو العمل والنزاهة وكل شخص تميز بالنزاهة ونظافة اليد وخدم المجتمع والدولة الأردنية لا يحق لأحد التشكيك في انتمائه.
دون أن أحاول الظهور بهيئة المنظّر ولكن أود أن أختم بالقول، إن من واجب كل المؤمنين بوحدة هذا البلد والمنتمين له سياسيا التمسك بخيار الدولة المدنية وتعدد الهويات الثقافية والتوجهات السياسية ضمن إطار ولاء عملي وليس "شعاراتيا” للدولة والتي بدورها تعامل المواطنين بسواسية ووفق قانون عادل لا يمكن السماح بتجاوزه. هذا يتضمن --أيضا- رفض كل دعوات تقسيم الولاء على أسس ديمغرافية أو تاريخية أو ثقافية أو سياسية؛ لأن هذا هو أخطر مدخل للترويج لمؤامرة "الوطن البديل” التي يدعي البعض أنهم يحاربونها، خاصة إذا كان من يدعي مرجعية الولاء هو نفسه قد بنى ولاءه على معادلة الإثراء الفاسد والمعتمد على نهب موارد الدولة وحقوق الآخرين.