التلفزيون الأردني ومجلس النواب


 

بدأنا نشاهد منذ سنوات الكلمات النيابية أو جزء منها على شاشة التلفزيون الأردني خصوصا بمناسبات جلسات الثقة الحكومية أو جلسات الموازنة أو تلك التي تتعلق بمستجدات على الساحة الوطنية والتي تفرض بظروفها واقعا يتطلب ارتفاع مستوى لغة الخطابة لتناسب الطموحات التي ينشدها الناخب من النائب، ويقيني أن صاحب القرار ببث مقاطع تلك الجلسات قد جانبه الصواب بسبب التأثير السلبي على واقع الحال وزيادة الضغط الجماهيري بسقف أعلى من حدود النائب وتأثيره على صنع القرار السيادي، خصوصا أن العديد من المطالب النيابية تتعدى حدود الخيال وتبتعد عن شاطىء الواقع بمسافة لا يمكن تحديد أبعادها باستخدام برهان الواقع والامكانات، على أن نلاحظ بتكثيف الهجوم والاتهام بالتقصير بقصد تحميل مسؤوليات العثرات على السلطة التنفيذية التي باشرت صلاحياتها بعد نيل الثقة من السلطة التشريعية، وربما لن أذيع سرا باستهداف أي رئيس الحكومة وتحميله مسؤولية التقصير بالرغم من قناعتنا بنفس النهج الذي يرتبط بالمركز، فمراجعة التاريخ الحكومي لعقدين من الزمن لم تفرز رئيسا وفريقا وزاريا نال الرضى النيابي بالدرجة الكاملة، بل سيناريو يتكرر بالطعن والتشكيك.
المؤسف والملفت للانتباه خلال الوقفات الاعلامية الأخيرة بتبدل نغمة الحديث النيابي لأسلوب التهديد بحجب الثقة عن الحكومات ضمن فترات زمنية محددة إذا تجاهلت الأخيرة لمطالب نيابية قد لا تكون واقعية أو ترتقي لمستوى المصلحة الوطنية للدولة الأردنية، فتصور لنا معركة سياسية بين اشخاص السلطة التفيذية والتشريعية، تكون بإحدى نتائجها المتوقعة تشويه الصورة المثالية لأقطاب الادارة السياسية التي يجب أن تحتل مركز الحكمة والعقلانية وبعيدا عن سياسة الشخصنة أو الفزعة التي نشاهدها اليوم بالعديد من قضايانا، نتيجة للتسابق على الخطب النارية التي تثير العواطف للمشاهد الذي يأمل ويحلم بالغد الخالي من العثرات، فيصبح لزاما عليه ارتداء ثوب الحماسة والاستشهاد بعبارات نارية أطلقها بعض السادة النواب على مسامعنا، مقرونة بالتهديد للاستقالة بسبب عدم الرضى عن الأداء وللأسف لم يسجل بالمجالس المتكررة استقالة جدية واحدة حتى نصفق لبطلها ونذكره بمغامرة الخسارة بسبب عدم قدرته على تنفيذ وعوده الانتخابية أو اعترافا بتقصيره عن أداء الدور الرقابي والذي تبرع بحمل أوزاره نيابة عنا أثناء حملته الانتخابية.
تابعنا عبر السنوات الأولى للقرن الحالي الخطب النارية لأعضاء المجلس الكريم بمنح الثقة للحكومات المتعاقبة والتي كانت تشترط جملة من المطالب الجغرافية والمناطقية والوطنية برسم التحقيق، فكانت تلك المطالب تخدر بوعود انشائية تستحق الثقة عليها من خلال إعادة صياغة الكلمات والعبارات بما يناسب طموحات المشاهدين، حيث نجد الواقع بصفقات منافع شخصية ترفع من قيمة الرواتب والاعفاءات والتقاعد وتسهيلات التعيينات الحكومية بمراكز الصف الأول بغض النظر عن آلية التنفيذ، واقعا قد جعل من التلويح والتهديد مبررا لحصد ثمرات التسهيلات التي تقدم بدون أن ينعكس ذلك على ظروف المواطن اليومية بصورة الوعد الإيجايبة، وللتذكير كمثال من الواقع، فقد كانت هناك تهديدات نيابية بحجب الثقة عن الحكومة وأي حكومة تفكر برفع أسعار فاتورة الكهرباء الشهرية على المواطن المثقل بالضرائب بشتى أسمائها وأنواعها حتى أن بعض السادة النواب بالمجلس الحالي قد هددوا بالاستقالة إن أقدمت الحكومة على هذه الخطوة بدافع التبعات المترتبة عليها والتي ستساهم بزيادة الأسعار بشكل غير منطقي ولا يناسب الدخل الشهري المتآكل للشريحة الأكبر من المواطنين، وكانت نتيجة المقاصة النيايبة زيادة بأسعار فاتورة الكهرباء بدون أن نلمس خطوات نيابية-غير لغة الخطابة الاعلامية - للتخفيف من أثر القرار على حياة المواطن، علما أنني لا أناقش عبر مقالتي ظروف تعديل أسعار الكهرباء أو المشتقات البترولية أو غيرها، فهناك ظروف تحترم ويقدرها صاحب القرار، ولكنها ظروف تمثل مصدرا للتناكف بين النواب والحكومة خطوات تجسد المصالح على أرض الواقع.
أتمنى من التلفزيون الأردني أن يخفف الضغط الشعبي على السادة نواب الأمة بالاكتفاء للاشارة لملخص بسيط لكلماتهم بدون أن نسمعها ويرحم المشاهدين من متابعة جلسات نارية حرقت الأعصاب ودفنت الأحلام فالوطن يكبر ويعمّر بأفعال أبنائه في مواقعهم، مذكرا الجميع أن التصرف والعمل بحدود الامكانات يحتل قمة الغيرة على المصلحة بظروف الأمن التي نعيشها وسط المستنقع الملتهب.