أجواء الحرب الباردة تعود بقوة إلى مجلس الأمن الدولي

 عبد الحميد صيام
 
من : لم تكن جلسة مجلس الأمن السابعة بخصوص جزيرة القرم يوم السبت جلسة عادية بل كانت إعادة إنتاج جلسات عفا عليها الزمن عندما كان الاتحاد السوفييتي يقف بالمرصاد لتحركات الدول الغربية الثلاث التي كان يصفها بالدول الإمبريالية. لقد حذر الممثل الدائم لروسيا فيتالي شوركين في بداية الجلسة أنه سيستخدم الفيتو وبالفعل إستخدمه وبشيء من الزهو والعناد. شبه جزيرة القرم ليستليبياحيث تساهلتروسيافي تمرير القرارين 1970 و 1973 حيث استغلت تلك الدول ذينك القرارين وبدل أن تفرض حظرا للطيران على الأجواء الليبية فقط استخدمت تلك الدول قوات الناتو وإمكانيات الحلف الجوية لتدمر البلاد وتدك بناها التحتية وتسقط النظام وتخلف خرابا يزيد عن التسعين مليارا تسابقت شركات تلك الدول لنيل عقود إعادة البناء ولم يدركوا أن الذي تم تدميره أيضا نسيج المجتمع وقواه الحية وقدراته المجتمعية وفتح الباب على مصراعية للفلتان الأمني الذي مزق البلاد وافقد المواطن العادي الشعور بالأمان حتى إن البعض بدأ يتباكى على أيام العقيد.
والقرم ليستسورياأيضا. فرغم إستخدام الفيتو ثلاث مرات إلا أن روسيا بتمرير القرار 2042 أولا (14 نيسان/أبريل 2012)المتعلق بخطة كوفي عنان المكونة من ست نقاط سمحت، فيما لو طبقت تلك النقاط، بسقوط النظام بطريقة سلمية لأنها تنص على حق المظاهرات السلمية وإطلاق جميع السجناء والسماح للصحافة العالمية بتغطية الأحداث والشروع في عملية حوار وطني شامل لحل الأزمة. ثم ساهمت كذلك في صياغة بيان جنيف (30 حزيران/يونيو 2012) والذي ينص، فيما لو طبق، على نهاية النظام الحالي حيث ينص البيان على الدخول في حوار من أجل نقل السلطة إلى قيادة وطنية شاملة تملك كافة الصلاحيات التنفيذية. ثم عاد النظام الروسي ووافق على القرار 2118 (27 أيلول/سبتمبر 2013) والذي جرد النظام السوري من سلاحه الكيميائي الذي ساهم الاتحاد السوفييتي سابقا والاتحاد الروسي لاحقا بتعزيز تلك الترسانة من الأسلحة من أجل الوصول إلى مرحلة ‘توازن الرعب’ مع إسرائيل كما كان يطرح ذلك حافظ الأسد. لقد ذهب التوازن ولم يبق إلا الرعب. فها هي إسرائيل تدخل وتدمر وتصفع النظام على هواها ويكون الرد بالبراميل المتفجرة فوق الأحياء الشعبية والأسواق والقرى والمدن لزرع الرعب في قلوب الشعب في غياب التوازن بين قوى النظام والقوى المعارضة له.
أما عندما يتعلق الأمر بشبة جزيرة القرم وأوكرانيا وجورجيا وأبخازيا وجنوب أوسيتا فالأمر مختلف. الأمر الآن يتعلق بأمن روسيا الوطني الذي لا مساومة عليه ولا تراجع ولا مفاوضات ولا تساهل ولا تردد. الاستفتاء في شبه الجزيرة سيعقد في موعده ومن لا يعجبه الأمر فليشرب البحر. لقد وضع الفيتو الأخير الدول الثلاث في موقع دفاعي ضعيف تختبىء وراء الميثاق. الآن فقط تذكروا الميثاق. يدوسون على الميثاق عندما يناسب ذلك مصالحهم وعندما لا يجدون ما يرفعونه في وجه دولة كبرى مثل روسيا فيرفعون ذلك الكتيب الأزرق الصغير ويبدأون في إقتباس مواده وخاصة تلك التي تتحدث عن السيادة. وماذا عنالعراقألا تنطبق مواد السيادة علىالعراقعندما قرر بوش وبلير غزوها؟ ألا توجد مواد في الميثاق تمنع احتلال أراضي الغير بالقوة؟ نعم توجد إلا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل أو بالولايات المتحدة عندما إحتلت غرانادا (1982) أو بنما (1989). فما فائدة الميثاق إذا ظلت الدول الكبرى تدوس عليه عندما يتعارض مع مصالحها وترفعه في وجه الطرف الآخر عندما يستخدم الأسلوب نفسه؟
أزمة شبه جزيرة القرم في مجلس الأمن أعادت إلى الذاكرة تلك الأيام التي كانت الأمم المتحدة عبارة عن حلبة مصارعة بين الدولتين العظميين حول فيتنام ولاوس وكمبوديا وأفغانستان وربيع براغ ومصر وسوريا وأنغولا وموزامبيق وناميبيا وجنوب أفريقيا وتشيلي وغيرها الكثير.
لقد آن الأوان أن تعترف الدول الثلاث أن العالم تغير وأن مرحلة الأحادية القطبية انتهت كما انتهت قبلها الثنائية القطبية وأن العالم الآن قد دخل فعلا مرحلة التعددية القطبية ولم يبق أمامهم إلا التسليم بهذه الحقيقة قبل جر المزيد من المآسي على الدول الفقيرة والضعيفة.