استعادة النظام السوري ليبرود ومعظم القلمون انتصار سياسي ومعنوي
عبد الباري عطوان
يشكل سقوط مدينة يبرود البوابة الرئيسية لاقليم القلمون في ايدي قوات الجيش العربي السوري وبعد معارك ضارية، انعطافة مهمة في الازمة السورية على الصعيدين السياسي والعسكري، لان هذا السقوط يعني اغلاق اهم ممر للاسلحة والمقاتلين في الاتجاهين السوري واللبناني.
النظام السوري كان بحاجة ماسة الى هذا الانتصار مع دخول الازمة عامها الرابع، وفشل مؤتمر جنيف بنسختيه الاولى والثانية، واقامة جسور اتصال بين الشمال السوري وجنوبه، وكذلك بين مقاتلي حزب الله وقاعدتهم الاساسية في لبنان، والاهم من كل ذلك تقليص ان لم يتأت منع، وصول السيارات المفخخة الى اهدافها في العاصمة اللبنانية بيروت.
سقوط يبرود جاء بمثابة الصدمة الكبرى للمعارضة السورية المسلحة التي راهنت على الحسم العسكري لمصلحتها طوال العامين ونصف العام الماضيين، ولكنها صدمة متوقعة على اي حال، لان النظام السوري بات اكثر قوة بفضل قوات حزب الله المدربة والمسلحة جيدا، بينما مزقت الانقسامات فصائل المعارضة نفسها، وصفوف الدول الداعمة لها، وخاصة المملكة العربية السعودية ودولة قطر.
نحن لسنا من المؤمنين دائما بالنظريات التآمرية، ولكن لا نبالغ اذا قلنا ان هناك اتفاقا ضمنيا بين الدول الداعمة للمعارضة السورية على حتمية اعطاء الاولوية للقضاء على الجماعات الاسلامية المتشددة على الارض السورية، والدولة الاسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة على وجه الخصوص، ثم الانتقال الى الجبهات الاخرى.
***
معظم العناصر المقاتلة في منطقة القلمون، ويبرود، كانت تتبع هذين الفصيلين، وجبهة النصرة على وجه الخصوص، وكان لافتا ان امدادات قليلة وصلت الى هؤلاء من الجيش الحر والفصائل الاخرى فماذا يعني هذا؟
كما كان لافتا ايضا اننا لم نسمع اي نداءات او تحشيد لدعم المدافعين عن يبرود من الجماعات الاسلامية من قبل الشيوخ والدعاة خاصة في السعودية ومنطقة الخليج، كما لم نشاهد عمليات التحريض على الدعم من قبل القنوات الداعمة للمعارضة مثل "الجزيرة” والعربية” كعادتها دائما، فهل هذا من قبيل الصدفة؟
منذ ان اصدرت السلطات السعودية قرارا بتحريم كل من يقاتل في سورية بالسجن لفترات تصل الى عشرين عاما، واعطائها مهلة اسبوعين لمقاتليها بالعودة الى بلادهم، للتمتع بالعفو، بات واضحا ان قوانين اللعبة تغيرت كليا في سورية، وان وجود اسلاميين متشددين في ميادين القتال بات يثير قلق الدول الغربية، ويؤكد نظرية النظام السوري التي تقول انه يتعرض لمؤامرة ارهابية اقليمية ودولية.
الدعم السعودي القطري السخي، ماليا وعسكريا، للجماعات الاسلامية يتآكل تدريجيا وربما للانطلاق الى مرحلة جديدة مختلفة تماما، عنوانها تحريك الجبهة الجنوبية وتسخينها بمشاركة اسرائيلية علنية هذه المرة.
الدول الداعمة للمعارضة السورية المسلحة في سورية كانت تتلكأ في دعمها العسكري وتقديم اسلحة متقدمة لها، مثل الصواريخ المضادة للطائرات والاخرى المضادة للدروع خوفا من وقوع هذه الاسلحة في يد الجماعات التي تعتنق ايديولوجية القاعدة، ولكن الآن وبعد انحسار قوة ونفوذ هذه الجماعات نسبيا، وخاصة في منطقة القلمون الاستراتيجية، والمناطق المحاذية للحدود التركية، وغلاف مدينة اللاذقية ربما تتغير الصورة كليا، ولهذا نعتقد ان الاحتفالات بالانتصار في يبرود، التي تبدو مبررة تماما، ربما تكون سابقة لاوانها.
التصريحات التي ادلى بها الدكتور كمال اللبواني احد ابرز قيادات الائتلاف الوطني السوري المعارض، ربما تكون "الترمومتر” او "البوصلة” التي تؤشر للمرحلة الجديدة، اي مرحلة التدخل الاسرائيلي العلني في الازمة.
الدكتور اللبواني عرض "بيع″ هضبة الجولان لاسرائيل مقابل تدخلها الى جانب المعارضة كقوة "تحرير” من اجل اسقاط النظام السوري، وكلمة "بيع″ هذه ليست من عندي، وانما وردت في حديثه الذي ادلى به لصحيفة "العرب” الصادرة في لندن، ونصها الحرفي موجود على موقعها على الانترنت.
نحن هنا لا نقلل من حجم واهمية انتصار قوات الجيش العربي السوري في يبرود، ولكننا نريد تسليط الاضواء على منصة الانطلاق الجديدة المحتملة للمعارضة المسلحة نحو دمشق التي لا تبعد الا حوالي مئة كيلومتر تقريبا من درعا.
***
وربما ليس من قبيل الصدفة ان تظل مدينة درعا ومحيطها مغلقة، بل محكمة الاغلاق في وجه الجماعات الاسلامية المتشددة، وحكرا على قوات الجيش السوري الحر، ووجود عدة قواعد تدريب عسكرية لمقاتلي المعارضة في الاردن وتحت اشراف مدربين اردنيين وامريكان.
اعتماد الجبهة الجنوبية كنقطة انطلاق جديدة يأتي بسبب رفض تركيا التدخل بشكل اكبر منذ تفاقم الازمات الداخلية التي تواجه حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان، واغلاقها الابواب لتسلل "المجاهدين” الاسلاميين والاسلحة عبر اراضيها وحدودها، وتضخم نفوذ الجماعات الاسلامية بالوانها العقائدية كافة.
لا نتردد في القول بان ما قاله الدكتور اللبواني حول الاستعانة باسرائيل الذي لم يدنه الائتلاف السوري، ولم يتنصل منه زملائه في المعارضة، هو العنوان الابرز للمرحلة المقبلة، وقد يكون احد الردود على سقوط القلمون.
والسؤال هو: هل تنجح اسرائيل فيما فشلت فيه الدول الاخرى العربية، وغير العربية، الداعمة للمعارضة السورية، في حال قبولها لعرض الدكتور اللبواني، الذي من الواضح انه جاء باتفاق مع قيادة الائتلاف. ولعل السؤال الآخر هو هل تريد اسرائيل تكرار هزائمها في لبنان وقطاع غزة على الارض السورية؟
الاجابة ستظل متروكة للايام والاسابيع القادمة والتطورات المتوقعة خلالها.