لاءات النسور!
انتهت الاجتماعات التي عقدت في أروقة الحكم ودوائر القرار، لمناقشة تداعيات الجريمة الإسرائيلية بقتل الشهيد القاضي رائد زعيتر، فانتهت إلى ثلاث لاءات رئيسة: لا لطرد السفير الإسرائيلي من الأردن؛ لا لاستدعاء السفير الأردني من إسرائيل، لا لإطلاق سراح أحمد الدقامسة. هذا فضلاً عن اللاء الكبيرة، وهي إبطال قانون معاهدة وادي عربة.
ذلك القرار أُبلِغ به رئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة، الذي اطّلع عن قرب على موقف "الدولة"، وهو ما يتوقع أن يشرحه، خلال لقائه مع رؤساء الكتل، قبل الجلسة المرتقبة يوم غد الثلاثاء!
"مراكز القرار" في الدولة أبلغت المجلس بوضوح أنّ مطالبه المطروحة، والتي علّق عليها الثقة بالحكومة، ليست مقبولة، بل "تتصادم مع مصالح الدولة العليا". ما يعني أنّ القضية لم تعد مقتصرة على علاقة النواب بالحكومة، بل على موقف مراكز القرار الحيوية الأخرى في الدولة، التي سيتجنب النواب الاصطدام بها!
انقلبت المعادلة تماماً؛ فلم يعد الحديث عن الموقف الأردني المطلوب من إسرائيل، ولا عن الزج بحكومة د. عبدالله النسور في الزاوية، بل أصبح مجلس النواب هو من يقف على الشجرة اليوم، مع وجود استحقاق مذكرة حجب الثقة المدرجة على أعمال جلسة يوم الثلاثاء المقبل. بينما، ويا للمفارقة، بدأت الحكومة، ومعها مراكز القرار الأخرى، تفكّر في الطريقة، التي يمكن من خلالها تقليل حجم الخسائر، التي ستتعرّض لها صورة المجلس جراء هذه الواقعة!
لماذا نتصوّر أن موقف المجلس ضعيف؟
لأنّ الورقة التي بيده هي حجب الثقة عن الحكومة، وتحتاج أغلبية 76 نائباً. وهو رقم كبير، وفق المتخصصين في شؤون مجلس النواب. وفي حال تمّ بالفعل الوصول إلى اختبار الثقة، فإنّ النواب سيفشلون، ما يعطي الحكومة مزيداً من القوة والثقة، ويضعف ويهشّم صورة مجلس النواب، التي تعاني -أصلاً- من منسوب ثقة شعبي ضعيف!
النواب الذين تحمسوا، بدايةً، لإلقاء الخطب الرنّانة، فرفعوا سقف مطالبهم، يواجهون، في جلسة الغد، خيارات مريرة وصعبة: فإما التراجع عن المطالب والاكتفاء باستجابة حكومية محدودة لـ"حفظ ماء وجه" المجلس، وتأجيل مذكرة الثقة إلى حين انتهاء التحقيق المشترك مع الجانب الإسرائيلي، وربما يتبرّع الرئيس النسور باستخدام حقه الدستوري بتأجيل المذكرة إلى حين انتهاء التحقيق، وسيفعل ذلك رأفة بالمجلس، لأنّه يعلم تماماً أنّ طرح الثقة بالحكومة حالياً، سيفشل وسيقوّي موقفه في مواجهة اللوبي النيابي المشاغب؛ وإمّا أن يرفض النواب تبريرات الرئيس، ويتم التصويت على مذكرة الحجب، ما يؤدي إلى فشل حتمي للمجلس في مواجهة الحكومة!
عدد كبير من النواب يسعى اليوم إلى التهدئة، فيما تقف على الطرف الآخر، مجموعة نيابية ما تزال تصرّ على طرح مذكرة "حجب الثقة" في الحكومة غدا، في سياق تسجيل المواقف السياسية، وإحراج زملائهم النواب الآخرين الذين سيبدون قد تراجعوا عن مطالبهم، أو أولئك الذين سيلجأون إلى مخرج "التغيّب"!
مشهد من "الكوميديا السوداء"، موقف دبلوماسي وخطاب أردني متخاذل تجاه إسرائيل، وانتقال الأزمة إلى المربعات الداخلية، وتهاوٍ جديد في صورة مجلس النواب، تلخّصه عضو في مجلس النواب بتذكّر المقطع المعروف من مسرحية مدرسة المشاغبين، لعادل إمام "بتحط نفسك في مواقف بايخة"، فهل لدى النواب رأي آخر بعكس ذلك؟!