من يضع ورقة الأسرى الأردنيين على الطاولة؟
بالنسبة لمن يتقن لعب السياسة يمكن أن تمثل المأساة أو المشكلة فرصة لتحقيق انفراج في قضية معقدة منذ فترة طويلة. تحويل التحديات إلى مكاسب سياسية فن لا يتقنه إلا القليل من السياسيين في العالم وفي تاريخ الدولة الأردنية سجل لا يستهان به من النجاح في هذه التوجهات، عندما كان صنَّاع السياسة الحكومية يمتلكون الخبرة والدراية والجرأة في استثمار ما هو متاح.
منذ الدقيقة الأولى لاستشهاد القاضي الأردني رائد زعيتر على يد جندي إسرائيلي جبان، كان واضحا أن الرأي العام الأردني لن يقبل موقفا متواضعا أو مترددا من قبل الحكومة وهذا ما كان يتطلب نقلة نوعية في التخطيط السياسي تسمح بتحويل هذا الموج الهادر من الغضب كأداة للزخم السياسي تمنح القوة لمواقف الحكومة بدلا من أن تضعها في مهب الريح. لو فكرت الحكومة منذ اليوم الأول بوضع ورقة الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية على طاولة السياسة مع إسرائيل في ساعات ما بعد الجريمة لكانت قد حققت نصرا معنويا وسياسيا كبيرا حتى لو لم تتمكن في النهاية من الوصول إلى إطلاق سراحهم.
عدد الأسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية ليس بسيطا فهم 26 أسيرا، تتراوح مدد محكوميتهم من المؤبد إلى الاعتقال والتوقيف المستمر بدون محاكمة، كما أن فترات وجودهم في السجون الإسرائيلية طويلة جدا ويعانون من ظروف الاعتقال السيئة، وبدون اتصال فعال مع مؤسسات الإغاثة الدولية. وكل هذا يجعل من قضية أولوية أردنية قصوى في هذه المرحلة، وإذا ما بقيت الحكومة معتمدة على التبادلات البروتوكولية والدبلوماسية فلن تحقق نتيجة بدون ضغط سياسي وشعبي.
لا نجد سببا وجيها يمنع حدوث تنسيق حكومي شعبي في إطار الضغط على إسرائيل لإطلاق سراح الأسرى، وهذا التنسيق يمكن أن يحقق نتائج كبيرة في قضية لا خلاف فكري ولا عقائدي ولا سياسي عليها. إنها قضية أردنية وطنية يمكن أن تساهم للمرة الأولى منذ فترة طويلة في توحيد جهود المؤسسات الرسمية والشعبية، ولا يوجد ما يمنع من إطلاق حملة تضامن وطنية مع الأسرى الأردنيين في سياق جريمة قتل الشهيد زعيتر تستمر إلى فترة محددة يطلب في نهايتها إطلاق سراحهم من قبل إسرائيل أو مواجهة العواقب السياسية ومنها سحب السفير الأردني وتنفيذ توصيات مجلس النواب بإبعاد السفير الإسرائيلي.
يمكن للحكومة والقوى السياسية في الأردن أن تجد أرضا مشتركة واسعة للتنسيق في هذه القضية لو امتلكت الرغبة السياسية في استثمار الضغط الشعبي لتقوية الموقف الرسمي الأردني. إنها لعبة ديمقراطية مشروعة ومعروفة يتقنها الإسرائيليون بشكل هائل، لكننا نخاف منها لأن الحكومات تعتبر أن الانصياع لرغبة الشارع والرأي العام، أو حتى مجرد قبول التنسيق وتبادل الأدوار في خطة استراتيجية محكمة يعد إهانة لهيبة الحكومة التي لا تتحقق إلا بالهراوات ومنع الاعتصامات والاعتقالات ومنع الرأي الآخر. وإذا لم تكن قضية مثل الأسرى الأردنيين في إسرائيل قادرة على توحيد الجهود الرسمية والشعبية فما هي القضية التي يمكن أن تحقق ذلك وتحظى بإجماع وطني غير إقليمي وغير ايديولوجي وغير مسيس؟ إنها فرصة أخرى ضائعة ضمن فرص ترسيخ الشراكة الديمقراطية في الأردن تضيع هباء، بينما تستمر معاناة الأسرى بين بروتوكولات السياسيين الرسميين وبين شعارات المقاومة والتضامن التي تندرج ايضا ضمن نطاق مناكفة الحكومة.