الجيش السوري ينتصر وهذه قصة سقوط يبرود

 

أخبار البلد 
لم تكد معركة يبرود تبدأ حتى انتهت. لم تستغرق عاصمة القلمون سوى الساعات القليلة الفاصلة بين ظهر الجمعة وفجر الأحد، انهار خلالها معقل مسلّحي المعارضة أسرع مما كان متوقّعاً.

اختراق مقاتلي الجيش السوري وحزب الله خط الدفاع الأول للمسلّحين ضعضع الصفوف. ومن هنا، سُجّلت بداية الانهيار التدريجي. كيف انهار معقل مسلّحي المعارضة السورية في جبال القلمون بعد شهور من التحصين؟ كيف شُلّت فعالية مئات صواريخ الكورنيت والكونكورس التي غنمها مقاتلو «جبهة النصرة» من مستودعات الجيش السوري؟ وأين اختفى آلاف المسلّحين الذين يتوزّعون في قرى القلمون متوعّدين بمواجهة حامية مع الجيش السوري ومقاتلي حزب الله؟

 

«خيانة الحر» وبداية الانهيار

قرابة الثالثة من بعد ظهر الجمعة، ومن دون سابق إنذار، ضجّت أوساط مسلّحي المعارضة بخبر مفاجئ: «دخل مقاتلو الحزب إلى يبرود». وقعُ الخبر أحدث دوياً، ترافق مع انتشار شائعة تفيد عن «خيانة» كتيبة في «الجيش الحر»، انسحبت من نقطة تمركزها لناحية المستشفى الوطني في يبرود، أي الجهة التي وقع منها الاختراق. تزامن ذلك مع مقتل المتحدث باسم «جبهة النصرة» في القلمون «أبو عزام الكويتي» مع أربعة قياديين في «النصرة» في منطقة بعيدة عن جبهات المواجهة مع الجيش السوري. وقد ترافق ذلك مع انتشار خبر يُفيد بأن «قياديين في إحدى كتائب الجيش الحر «عواينية للنظام» وهم من قتلوا القياديين الخمسة في النصرة».
تزامن ذلك أيضاً مع ترك أعداد كبيرة من المسلّحين مواقعهم في يبرود والانسحاب باتجاه رنكوس، أبرزهم تنظيما «جيش الإسلام» و«لواء القادسية». وعزّز قرار هؤلاء انتشار اقتناع باستحالة الصمود في «حرب شوارع في مواجهة حزب الله». إذ كانت خطة مسلّحي المعارضة تقضي بضرورة الحفاظ على مسافة خط دفاع ناري يمتد كيلومترين أو ثلاثة، يُتيح استهداف مشاة الحزب والجيش والسوري ومدرعاتهم بصواريخ الكونكورس أثناء محاولتهم التقدم. وبالتالي، يحول دون تقدمهم إلى المدينة وحصول اشتباك مباشر، إلا في حالات محدودة على تخومها. ورغم وصف المسلّحين أنفسهم بأنهم «أشرس» من مقاتلي الحزب في الاشتباك المباشر، إلا أنّهم برروا عدم إمكانية الصمود في وجههم بسبب امتلاك الحزب «صاروخ بركان» الذي يُستخدم في المواجهات القريبة المباشرة والقادر على تدمير مباني بأكملها يُلغي احتمالات التحصّن لخوض أي حرب شوارع. كل ذلك، كان يجري على إيقاع تداول نشطاء إعلاميين في صفوف المعارضة أخباراً تفيد عن انهيار جبهة يبرود. الانهيار المعنوي للمجموعات المتحصّنة في المدينة وقع قبل الانهيار الميداني.

المسلحون ١٠ آلاف أما المقاتلون فلا يتعدّون ٥٠٠

إزاء ذلك، بدأت الانسحابات باتجاه رنكوس وفليطا. ورغم الحديث عن وجود عدة آلاف من المسلّحين يتحصّنون في المدينة ومحيطها، لم يثبت في المواجهة سوى عدة مئات ينتمون إلى «جبهة النصرة» و«الكتيبة الخضراء» وفصيل إسلامي ثالث. ومن هنا، جاء قول أحد القياديين الميدانيين لدى سؤاله عن أعداد المسلّحين المتحصّنين في القلمون: «تسأل عن المسلّحين أم المقاتلين؟ الذين يحملون السلاح يفوقون العشرة آلاف، أما المقاتلون فلا يتعدّون الخمسمئة». وفي هذا السياق، أكّدت المصادر الجهادية لـ«الأخبار» أن القتلى الذين سقطوا إسلاميون بمعظمهم، مشيرة إلى أن بعض الفصائل التابعة لـ«الجيش الحرّ» فرّت من ساحة المعركة قبل بدء الالتحام المباشر حتى. وقد تداول هؤلاء روايات عن «بطولات فردية». وتحدّثت المصادر عن مجموعات تابعة لـ«النصرة» استمرّت في القتال حتى الموت.

ممرات سرية للدبابات وتسلل

في المقابل، كشفت معلومات لـ«الأخبار» عن خطّة محكمة نُفّذت بالتعاون بين الجيش السوري ومقاتلي حزب الله عطّلت نقاط قوة المسلّحين المتحصّنين في يبرود. وتكشف المصادر أن الهجوم الأوّل انطلق من محور مزارع ريما باتجاه المدخل الشرقي ليبرود، نجح في تدمير نقاط الإسناد لدى المسلحين.
وقد عزز نجاح هذا التقدّم عنصر المباغتة، باعتبار أنّ مسلّحي المعارضة كانوا يتوقّعون الهجوم عليهم من ناحية جبهة السحل ـــ فليطا، لكن تقديراتهم لم تصب، وجرى الالتفاف والتقدّم من ناحية تلة العقبة في اتجاه النادي الرياضي والمشفى الميداني. وتشير المعلومات إلى أنّ دبابات الجيش السوري لعبت دوراً أساسياً في تدمير دفاعات المسلحين، كاشفة أنّ عملية الهجوم جرت على الشكل الآتي: تسللت مجموعات كوماندوس صغيرة (من ٤ إلى ٧ عناصر) مزوّدة بقنّاصات ومناظير ليلية إلى التلال المشرفة على يبرود. مهمة هؤلاء كانت تعطيل فرق الإسناد في معسكر المسلّحين. وكانت الخطة تقتضي تسلّل الدبابات ليلاً لتفادي استهدافها بصواريخ الكورنيت والكونكورس، والوصول إلى التلال لتدمير النقاط الإسنادية في المدينة. وللتغطية على هذه العملية، شُغل المسلّحون بكثافة نارية مرعبة.

تحويل التلال إلى قواعد نار

في تلك الأثناء، تولّت الجرافات فتح ممرات وإنشاء سواتر لمرور الدبابات إلى هدفها. وبغطاء من قوات النخبة التي تمكنت من فتح اشتباكات على تخوم المدينة، تمكنت الدبابات من الوصول إلى مداخل يبرود. كما فُتحت ممرات إلى كل من تلة الكويتي وتلة القطري وتلة مار مارون المشرفة على يبرود، ثم استُخدمت نيران كثيفة لإنهاك المدافعين. وإلى الإسناد المدفعي، أُمطرت مناطق انتشار المقاتلين المعارضين بعشرات البراميل المتفجّرة التي ترميها الطائرات. وساعد في ذلك، غياب التنظيم والاحترافية لدى المسلّحين. وبحسب مصدر ميداني، اعتمد المعارضون على خط دفاع رديف من دون الاستناد إلى خط دفاع في العمق.

الملجأ بين رنكوس وفليطا وعرسال

على وقع الاشتباكات الجارية، توالى انسحاب مئات المسلّحين من يبرود. تكشف المعلومات أن ساعات فجر الأحد الأولى سجّلت الانهيار الكبير في صفوف المسلّحين، لكن ذلك لم يعن انتهاء الاشتباكات. فقد استمرت مواجهات متفرقة في بعض أحياء المدينة. أما عملية الانسحاب فجرت في اتجاهات متفرّقة. إذ انسحب قسم كبير من المسلّحين باتجاه قريتي رأس العين ورنكوس، علماً بأن الأولى تضم مقرّ «النصرة» في القلمون. كما انسحبت مجموعات أخرى باتجاه بلدتي فليطا ورأس المعرّة السوريتين القريبتين من بلدة عرسال اللبنانية. وقد أكمل مسلّحون آخرون مسيرهم حيث تمكنوا من دخول الأراضي اللبنانية. ونقل هؤلاء معهم أعداداً كبيرة من الجرحى.
أما في ما يتعلّق بأعداد القتلى الذين سقطوا خلال المواجهات، فلم تُسجّل أرقام محدّدة. وكشفت المصادر أن أعداد المقاتلين المنتمين إلى حزب الله الذين سقطوا لا يتجاوز الأربعين منذ بدء معركة القلمون منذ نحو شهر. أما من جهة مسلّحي المعارضة، فقد تفاوتت المصادر في ترجيح أعدادهم. وفيما تحدث أحدها عن سقوط ٤٠٠ قتيل، رفعت مصادر أخرى الرقم إلى ٦٠٠ منذ بدء المعركة.

 

بقلم رضوان مرتضى