لا مع العير ولا مع النفيـــــــر !!

يبدوا ان العلاقة السياسية والدستورية بين الحكومة ومجلس النواب اصبحت على محك ما قد يترتب من نتائج على قضية استشهاد القاضي الاردني رائد زعيتر على ايدي جنود الاحتلال الاسرائيلي .
ما من شك انه اصبح من الواضح ان التوجه الحكومي هو نحو عدم الاستجابة لمطالب مجلس النواب الاردني والتي على راسها المطالبة بسحب التمثيل الدبلوماسي الاردني من تل ابيب وايضا ابعاد السفير الاسرائيلي من عمان وما لحق ذلك من مطالبة بالغاء معاهدة وادي عربة .
لقد اصبحت بحكم المقروؤة وسطورها وعباراتها تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد رسالة الحكومة لمجلس النواب والتي قد تكون رسالة موجهة ايضا للشارع الاردني ولمؤسسات المجتمع المدني وعلى راسها احزاب المعارضة بان تلك المطالب لن يتم تحقيقها كونها كما ترى الحكومة ليست في مصلحة الدولة الاردنية في ظل الظروف الحالية ، وبذلك فان الحكومة الاردنية في ادارتها لهذا الملف تكون قد وضعت مجلس النواب الاردني في وضع محرج للغاية .
تفسير سلوك الحكومة مع مطالب المجلس يستدعي مناقشة واستقراء الكثير من الاحتمالات التي قد تكون بدأت تاخذ طريقها للمناقشة سواء في كواليس السياسة الرسمية او في الصالونات السياسية او اروقة الاحزاب ومؤسسات المجتمع المدني وفي مقدمتها المعارضة .
احد هذه الاحتمالات ان الحكومة راهنت على ان مجلس النواب الاردني لن يكون قادرا باي حال من الاحوال على اتخاد اي اجراء سياسي او دستوري ضد الحكومة في حال ان الاخيرة رفضت مطالب المجلس جملة وتفصيلا وكان لسان حالها يقول ( من كبّر حجره ما ضرب ! ) وكأنها تعرف مسبقا ان مطالب مجلس النواب الاردني ما هي الا حبر على ورق لا يعدوا ان تذروه الرياح في اول جلسة للمناقشة والتي قد تتحول الى معمعة ضروس ولكن بين النواب تحت القبة .
احتمالٌ اخر قد يبدوا غير منطقي ولكنه غير مستبعد وهو ان الحكومة تراهن ان راي المجلس الموقر لا يمثل راي الشارع الاردني ولا يعبر عن ارادة الشعب وفي هده الحالة فان الامر يعني ان هذا المجلس اصبح لا يتمتع بتمثيل الشعب الاردني وبالتالي فان الحكومة لا تستمد شرعيتها من هذا المجلس وبالتالي فانها من وجهة نظرها هي المسؤولة عن اتخاذ القرار بشان هذا الموضوع وهي المسؤولة ايضا عن النتائج المترتبة على اتخاذ القرار .
لقد شاهنا وسمعنا قبل فترة وجيزة من الزمن ابان ازمة السلاح الكيماوي في سوريا ومذبحة غوطة دمشق عندما اوشك الغرب بقيادة الولايات المتحدة ان يشن حربا على سوريا ... ما الذي حصل .... الحكومات الغربية عادت بالامر شورى مع مجالس الشعب لديها ... ؟ نعم ... وفوق ذلك التزمت تلك الحكومات بارادة مجالس الشعب باعتبارها تمثل ارادة الامة .
الشعب الاردني ... اصبح في حيص بيص .... هل هو مصدر السلطات .... هل يمتلك زمام اختيار ممثليه تحت القبة ... وهل ينتخب ممثلين قادرين على انفاذ ارادة الشعب ؟ هل مجلس النواب الاردني الحالي يمثل ارادة الشعب تحت القبة ؟ هل الحكومة على قناعة تامة بانها اجرت انتخابات نيابية افرزت مجلس نواب يمثل ارادة الشعب ؟ فان كان ذلك فلا بد للحكومة من احترام مطالب المجلس وبخلاف ذلك فان الحكومة قد تكون اما غير مقتنعة بان المجلس يمثل الشعب او انها غير مقتنعة بان تلك المطالب تمثل ارادة المجلس .
قد لا تكون الاجراءات التي يطالب بها مجلس النواب ذات اثر فعّال في سبيل ( شكم ) اسرائيل وكبح جماحها سواء عند محاولتها فرض السيادة على المقدسات اعتداءً على الحق الاردني او عند قتلها للشهيد القاضي الاردني رائد زعيتر اعتداءً على الدمّ الاردني !... لكن الشارع الاردني بات في حيرة من امره ... هل هو مع راي الحكومة بالمراهنة على الدبلوماسية .... ام هو مع راي النواب بالمطالبة بتجميد التمثيل الدبوماسي والغاء المعاهدة .... يبدوا ان الشارع الاردني اصبح يراوده احساس بانه لا مع العير ولا مع النفيــــر .

صالح ابراهيم القلاب