التعريف بنظام الحسبة في الاسلام
الحِسبة(بكسر الحاء) مأخوذة لغةً من قول المرء: (فعلت هذا الأمر حسبةً لله أو احتسبه عند الله) أي أدخر حسابي وأجري عليه عنده.
والمعنى الاصطلاحي للحسبة يتلخص في رقابة إدارية تقوم بها الدولة عن طريق موظفين مختصين على نشاط الافراد في مجالات الأخلاق والدين والاقتصاد، وهي بهذا الاعتبار وظيفة دينية وخلقية أساسها الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وكان هذا المنصب يتولاه في الدولة الاسلامية مسؤول يشرف على الشؤون العامة في مراقبة الاسعار ورعاية الآداب يقال له المحتسب. ومن شروط تعيينه أن يكون حراً وذا حكمة وصرامة وعلم بالمنكرات الظاهرة، ومن أصحاب الرأي والاجتهاد، وله اعوان يعملون باسمه ومنتشرون في المحال والاسواق الكبيرة.
أما عن أساس مشروعية الحسبة فهي آيات قرآنية، ومنها قوله تعالى في سورة آل عمران (آية 104): ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون) وكذلك الآية (71) من سورة التوبة:(والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله).
والأصل أنه عملاً بالآيات الكريمة يتوجب على كل مسلم القيام بهذه المهمة تطوعاً، إلا أن إناطتها بأولى الأمر والولاية العامة أقدر واكثر ردعاً مصداقاً للحديث الشريف القائل: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن) ومعناه أن من يكُف عن ارتكاب المعاصي مخافة السلطان أكثر من يكُفه القرآن بالأمر والنهي.
هذا،وأن الحسبة لم تصبح وظيفة رسمية يتولى أمرها والٍ يتفرغ لها إلا في عهد الخليفة العباسي محمد المهدي.
وقد روي أنه كان للحسبة دار في القاهرة يتردد عليها الباعة في اوقات معينة لمضاهاة مكاييلهم وموازينهم على ما بالدار من المكاييل والموازين فان وجد بها خللاً أمر أصحابها بتغييرها أو إصلاحها ومن لا يمتثل وقعت عليه العقوبة، وبقيت هذه الدار إلى عهد المماليك.
وكانت مؤسسة الحسبة قد انتقلت إلى الاندلس وكان واليها يسمى صاحب السوق.
أما عن اختصاصات المحتسب بالمراقبة فمنها ما يتعلق بحقوق الله تعالى ومنها ما يتعلق بحقوق العباد وما هو مشترك بينهما:
فما يتعلق بحقوق الله تعالى مراقبة ترك صلاة الجماعة في المساجد والأذان وكل ما يتعلق بالعبادات، والمجاهرة في بيع الخمر والملاهي المحظورة والغش في البيع والبخس في المكاييل والموازين، والممتنع عن اداء الزكاة وغيرها من المحظورات.
وأما ما يتعلق بحقوق الناس فمنها ما يتعلق بإصلاح المرافق العامة في البلد وحصول الأفراد على حقوقهم نتيجة تعدي بعضهم على بعض في أمور الجوار،وكذلك حق الأجير على رب العمل، ومراقبة أصحاب المهن في تعاملهم وغيرها من المخالفات التي تنشأ في الشوارع والأسواق.
أما عن مؤيدات نظام الحسبة فهي عقوبات شرعية خفيفة ومن النوع المسمى بالتعزير مثل التوبيخ والزجر بالكلام ومنها الحبس وهناك عقوبات مالية وقد اختلف الفقهاء في الحدين الادنى والاعلى للتعزير وتبقى متناسبة مع حجم المخالفة وحسب حال المذنب وشخصه.
وبعد: فإن مؤسسة الحسبة قد اخذت مسارها طوال عهد الدولة الاسلامية وبقيت آثارها في الزمن الحاضر في المملكة العربية السعودية، ولكن على نطاق ضيق جداً يقتصر على مراقبة أمور العبادات.
ــــــــــــــــــــــــ
ـــــــــــ
ـ