إن ذكرى المولد النبوي تُلقي في غور نفوسنا بريق إشراقات نورانية، يتجدد فيها الأمل، والنور، والايجابية، والتفاؤل، وتكسر طوق الألم الذي يلفنا، ونُقصي ثقافة اليأس، والبؤس، والهزيمة الداخلية؛ فتتألق نفوسنا؛ لتضيء لنا عتمة الدرب بشموع الأمل والنور من لهيب الصبر الجميل، ومن حنايا وتفاصيل الحدث الكوني العظيم نستنطق اشراقات يمكن أن تختزل أبرز معالمها بالآتي:-
يعلن لنا خطاب السماء إن أبرز أولويات بناء الإنسان الفاعل للعمران والشهود الحضاري هو حضور القدوة "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو الله واليَومَ الآخر"، لذا كان لزاماً على الأقلام والهمم الهادفة الرسالية أن تنقل لنا النموذج الأمثل (القدوة الحسنة) إلى ميدان العمل والتطبيق فحينما سُئلت عائشة رضي الله عنها عن خُلقه صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن" صحيح مسلم، فحاجتنا ماسة لقدوات عاملة نابضة بالفاعلية؛ لتضييق الفجوة بين المثال والواقع؛ لأن القدوات العملية هي من تُفعل "النموذج المرتجى" في أذهان وواقع الأجيال الصاعدة والحاضرة وهي من تُقصي القدوات البائسة والعابثة.
إن النهضة الأخلاقية المستندة إلى المرجعية العقدية التي جذّر لها نبي الرحمة والتي اختزلت الزمان والمكان لتقودنا إلى أعظم شهود وإبداع حضاري يجب أن تُفعل، فلم يكن ذلك بدعاً من القول فلقد جاء خطاب السماء (الوسام الرباني) لنبي الرحمة بالثناء على خلقه "وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ" ومما يدعو للتأمل أن خطاب السماء لم يثن على صدق وجدانيته وطول تدبره وخشوع قلبه بالقدر الذي اثنى على خُلقه؛ لإن أي شهود حضاري لا بد أن يقوم عل نهضة ومرجعية أخلاقية.
فمن نافلة القول ان الحرص على بناء المنظومة العملية القيمية الإيمانية الأخلاقية بذوقها الجمالي المتفرد هي من أولويات القدوة والاقتداء، ولعل من أهم القيم الخالدة التي يجب استحضارها إلى قلب المعاصرة وتفعيلها لضآلة وهشاشة حضورها على الساحة المعاصرة. قيم: الحب، السلام، الجمال، الحرية، الإبداع، الاتقان، الإحسان
إن اختيار العليم الحكيم يوم اللقاء والانتقال إلى الرفيق الأعلى لسيد الخلق عليه أفضل الصلاة والتسليم هو اليوم ذاته الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول الذي ولد فيه. يحمل بين طياته رسائل ضمنية منها: أن رحلة الحياة تُختزل بالمولد والرحيل وبينهما تفاصيل وجزئيات وأهداف عارضة يجب أن لا تستنفذ طاقاتنا. كما أن الفناء والرحيل سنة اجتماعية مرتبطة بلحظات القدوم للحياة لتشكل ذلك لنا منبه لاستعادة الهمة والنشاط واستحضار عظمة المسؤولية والمساءلة "وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ"، إضافة إلى أن ألم الرحيل والفراق سيما لأعظم خلق الله يتحول إلى (ألم فعّال) لنبحث عن فضاءات من العوض الرباني بعد فاجعة الرحيل "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ