جريمة «الحب القسري» في السياسة

جريمة «الحب القسري» في السياسة
أخبار البلد -   اخبار البلد-
 
سنة 1798 غزت فرنسا مصر، فيما سيُعرف بعد ذلك باسم الحملة الفرنسية على مصر. ربما لأنها لم تستمر سوى ثلاث سنوات، فلم يرَ فيها المؤرخون أكثر من مجرد حملة عسكرية.
لكن التأثير الثقافي لهذه الحملة العسكرية على المصريين كان كبيراً. لا أقصد هنا النخبة المصرية، بل المصريين من الفلاحين وعوام الناس. الذين رأوا في الحملة الفرنسية عالماً لم يكونوا يعلمون بوجوده، عالماً أشعرهم أن في الحياة حياة غير الحياة التي تحيط بهم.
هذا التأثير تسبب في معضلة عاطفية لن تجد توصيفها في كتب التاريخ، تنتمي إلى عالم الروايات والسينما أكثر ما تنتمي إلى كتب السياسة الجافة. معضلة متعلقة بـ«الحب».
الجبرتي ينقل - بعد خروج الفرنسيين - حواراً بين مصريين وبين عسكر العثمانيين. اعتدى هؤلاء العسكر على أحد المشايخ، فاعترض الأهالي وذكَّروا عسكر العثمانيين بأن هذا لا يصح. إذ اليهود والنصارى يوقّرون رجال دينهم. فردّ عليهم عسكر العثمانيين بالقول:
«أنتم لستم بمسلمين؛ لأنكم كنتم تتمنون تملك النصارى لبلادكم، وتقولون إنهم خير منا. نحن مسلمون ومجاهدون طردنا النصارى، وأخرجناهم من البلاد فنحن أحق بالدور منكم».
لقد نقلت هنا نموذجاً بسيطاً عن طبيعة علاقة المصريين بعسكر العثمانيين، لكنّ الجبرتي يسهب في تفاصيل تلك الفترة، المنحصرة بين خروج الفرنسيين في 1801 وبين السنة الأولى من حكم محمد علي 1805، حيث لم تستتبّ له الأمور بعد.
 
وفي تلك الفترة، بشهادة الجبرتي، أمعن العسكر العثمانيون في اعتداءاتهم على المصريين، بالفحش في النساء والغلمان (كما يفعل «داعش»)، والقتل على أقل خلاف، والاستيلاء على حمار «المكاري» أو ناقلي البضائع من الريف إلى القاهرة. والاستيلاء على قروش المصريين وإعطائهم بدلاً منها القروش «الزيوف»، أي المزيّفة التي لا تحمل الوزن القانوني من المعدن.
عسكر العثمانيين برروا سلوكهم بأنه تعبير عن الحنق لأن المصريين أحبوا الفرنسيين أكثر منهم. وفي هذا أيضاً يسهب الجبرتي في بيان الأسباب، من أول الابتكارات الحِرفية التي أتى بها الفرنسيون والتي أبهرت المصريين، العالِم منهم والعامل. وصولاً إلى حُسن الإدارة وإنسانية التعامل مع الشَّغِّيلة.
يحتاج نظرةً هذا «الحبُّ» الذي وجده الفلاحون المصريون في قلوبهم للفرنسيين (النصارى)، بينما لم يجدوه نحو العثمانيين (المسلمين).
تخيل على المستوى الشخصي، قبل السياسي، أن يعاقبك إنسان على حبك طرفاً آخر. أول ما يتبادر إلى ذهنك أنه يتنافس مع الآخر على أن يحظى بحبك. إنه بذل مجهوداً لكي يوجِّه شعورك الودود تجاهه. وقتها سنفهم أن غضب هذا الساعي له أسبابه، لكننا لن نتوقف عن إدانته، سنسمي الشعور غيرةً وحسداً، وسننقل هذا الشخص من خانة المحب إلى خانة «العذول». وسندرك أن شعوره لم يكن حباً، بل كان شعوراً باستحقاق الامتلاك، بغضّ النظر عن رغبة صاحب أو صاحبة الشأن.
فما بالك إن كان الطرف الغيور الحاسد لا يبذل أساساً مجهوداً لكي ينال الحب. ما بالك إن كان على العكس من ذلك، يقمعك ويستلب ثروتك وينغّص عليك حياتك ويضعك في مرتبة أقل مما ترى نفسك. ثم يعود ليلومك لأنك «أحببت» مَن أحسن معاملتك وأعاد إليك ثقتك بنفسك.
هذا بالضبط بعض مما تعانيه منطقة اللغة العربية في السياسة. ليس فقط على يد ورثة القوى الاستعمارية الإقليمية في بلاد فارس والروم المسلمين، التي ترى نفسها «مستحقة» لطاعتك إياها عن حب وأنت صاغر، بل من قوى أخرى كالقوميين العروبيين واليسار الثوري. قوى تدّعي دائماً أنها تعرف مصلحتك أكثر منك. ولا تكتفي بهذا. بل تعاقبك أيضاً على اختيارك المختلف عن هذا الاختيار الذي قررته بالنيابة عنك.
هذا «الحب القسري» ليس حباً، هم يعلمون ذلك، ويستنكفون ويستكبرون أن يطلبوه بألسنتهم. بل يتوقعونه واجباً مفروضاً من جهة أعلى: إما الحق الإلهي كما فعل جنود بني عثمان مع الفلاحين المصريين. وهو نفس المنطلق الذي انطلقت منه الدعاية الجديدة لفلول العثمانيين المعاصرين، الذين يريدون لنا أن نخدم مصالح تركيا، أو نسير على رسم طهران، رغم كل ما يصدر عنهما نحونا. فإن لم نفعل ذكّرونا بـ«الأخوة الإسلامية»، وإما الكلام باسم «الشعوب» من تيارات جرّبت الوصول إلى الحكم فضيّعت شعوبها، وبدّدت ثرواتها.
هذا «الحب القسري» ليس حباً. لأنه دائماً مطلوب في اتجاه واحد. مطلوب منك نحوهم، ومن دون مقابل. فلا شكر على واجب.
لكن الدراما في السياسة، كما في الحياة، كاشفة. تُفصح عن الحقيقة. جنود العثمانيين في حديثهم إلى المصريين وقت الجبرتي كانوا أكثر عفوية من أحاديث السياسيين في أوقاتنا هذه. عبارتهم «نحن أحق بالدور منكم» هي بالضبط ما يريد أن يقوله إردوغان وخامنئي. نحن نسمعهم سواء نطقوا الكلمة نصاً أم كلّفوا عناصرهم المحلية بنطقها.
شريط الأخبار وفيات الأردن اليوم الخميس 18/4/2024 بعد انقطاع ثلاث سنوات.. انتخاب اتحاد طلبة الجامعة الأردنية 21/5/2024 تحذيرات من ارتفاع نسب الغبار في الأردن خلال الساعات القادمة انخفاض مساحات الأبنية المرخصة بنسبة 19.7% رياح نشطة ظهرًا مع بقاء درجات الحرارة دافئة... حالة الطقس ليوم الخميس قائد أركان الاحتلال “يطالب” بضم الجميع للجيش طلبة “كولومبيا الأمريكية” يعتصمون تنديداً بجرائم الاحتلال..نصبوا 60 خيمة بالحرم الجامعي (فيديو) توقعات بوصول سعر غرام الذهب في الأردن إلى 55 دينارًا حملة لإنارة المقابر في إربد لهذا السبب العثور على شاب مشنوقًا أمام منزلة في لواء الأغوار الشمالية وزير إسرائيلي: لم أعد أعتمد على الجيش بعد 7 أكتوبر أغرب من الخيال.. برازيلية تصطحب جثة عمها إلى البنك ليوقع لها على قرض! (فيديو) قذيفة إسرائيلية واحدة تقضي على 5 آلاف من أجنة أطفال الأنابيب في غزة المواصفات تتحقق من 3750 منتجاً في 1250 منشأة خلال رمضان والعيد نشاط ملحوظ لطائرات سلاح الجو الملكي خلال هذه الفترة التنمية الاجتماعية: واحد من كل أربعة متسولين يعاد ضبطه في الأردن الضمان: الإعلان عن الزيادة السنوية على الرواتب التقاعدية الشهر المقبل الملك والعاهل البحريني يؤكدان ضرورة إدامة التنسيق العربي أزمة معتقلي الرأي تتفاعل.. منظمة العفو الدولية والأحزاب اليسارية تصدر بيانات للإفراج عنهم والأهالي"ذنب أولادنا أنهم ناصروا غزة" الفلاحات بعد قرار حل حزب الشراكة والانقاذ: سنقوم بتأسيس حزب جديد.. وبدأنا بجمع تواقيع لتأسيسه